بمقدار ما يحقق المسلسل الأميركي «13 سبباً لماذا؟» Reasons Why 13 الذي يعرض على شبكة «نيتفليكس» من نجاح جماهيري لافت، يتعرّض لمزيد من النقد والإستنكار. فهو يحكي قصة الفتاة هانا بيكر (17 سنة) التي تترك لصديقها كلاي صندوقاً يحتوي على 7 أشرطة سجلتها قبل انتحارها. ويحمل كل وجه من الشريط سبباً من الأسباب التي دفعتها إلى الانتحار. فيبدأ صديقها الاستماع إلى تلك الأسباب ويندفع على الأثر لمواجهة زملائها في المدرسة الثانوية. فيكشف المتورّطين في حادثة الانتحار وأسبابه، وهي تتضمّن عدداً وافراً من نشر الإشاعات، والإهانات، والعنف المدرسي والترهيب والصور الجنسية والاغتصاب، إلى أن تشكّل هذه العناصر بمجملها قصة مأسوية معقّدة متشابكة يلفها الارتباك واليأس والغموض. ردود أفعال متباينة ثمة من يرى أن المسلسل دراما حقيقية تتوجّه إلى جمهور المراهقين عبر حملة توعية موجّهة خصوصاً لردع المراهقات وحضهن على رفض الاستسلام لأي فكرة تؤدّي إلى الانتحار، لا سيما أن أبطال المسلسل وشموا على سواعدهم شعار «نقطة وفاصلة» كتحذير لكل من يحاول أن يُنهي حياته بطريقة مأسوية. أما صانعو المسلسل فيؤكّدون أنه «أنجز بطريقة احترافية واقعية صادقة لمساعدة المراهقين والمراهقات على تجنّب الانتحار الذي ينبغي ألا يكون الحل الأخير». في حين وجد المعارضون للمسلسل فيه ترويجاً ممنهجاً لثقافة الاغتصاب. «انتفاضة» على رغم اتساع حملات التوعية والتحذيرات والإدانة، إلا أن تداعيات المسلسل في كيبيك خلّفت ما يشبه الانتقاضة التي هزت الأوساط التربوية والصحية والأهلية. ولا غرو في ذلك، فتلك المقاطعة معنية ربما أكثر من غيرها، بالتصدّي لظاهرة الانتحار التي تفتك بنسبة عالية من مراهقاتها، خصوصاً أن تلك الظاهرة هي الأعلى فيها من باقي المقاطعات الكندية. في هذا السياق، تؤكّد «الجمعية الكيبيكية للوقاية من الانتحار» أن أهم سببين يؤدّيان إلى الانتحار في المدارس الابتدائية والمتوسطة هما تنامي ظاهرتي التحرّش Harcelement والترهيب Intimidation، اللتين تستبدان في سلوك المراهقين والمراهقات وفشل المدارس في مكافحتهما. وأنها أجرت أخيراً بالتزامن مع عروض المسلسل، استطلاعين أحدهما حول التحرّش وشمل 2546 تلميذة وتلميذاً في 32 مدرسة ابتدائية ومتوسطة. وأشار إلى أن محاولات الانتحار الناجمة عن التحرّش بلغت 2,7 في المئة، بينها 10 حالات انتحار فعلية لتلميذات مراهقات تناولن عقاقير مميتة كانت آخرهن تود لويك (16 سنة). أما الاستطلاع الثاني حول الترهيب فشمل 25 مدرسة ابتدائية و5 مدارس متوسطة، وأظهر أن الترهيب يندرج في دائرة «العنف اللفظي» الذي لا يختلف عن العنف الجسدي أو النفسي إلا بالدرجة، ويحصل في العالم الافتراضي كما في حرم المؤسسات التعليمية. ولفت إلى أن الضحايا يتعرّضون إلى أسوأ ما في قاموس العنف اللفظي من مفردات التخويف والتهديد والسخرية والتهكّم والترويع وغيرها من العبارات والألفاظ، التي تخلف القلق والاضطراب والإحباط والانطواء على الذات والجروح النفسية البليغة، وصولاً إلى اليأس والانتحار. وتشير مراكز التدخّل ضد الانتحار إلى وقوع عدد من حالات خلال العامين الماضيين، أبشعها تعرّض التلميذة هايتي برسور (15 سنة) على أيدي رفاق صفها لاعتداءات جنسية، ونشروا صورها على الإنترنت. مواجهة شاملة غداة عرض المسلسل الأميركي استنفرت الهيئات الرسمية والخاصة المعنية بتحصين المراهقين وإبعاد شبح الانتحار عنهم. فقد وجّهت لجان المدارس في كيبيك (أعلى الهيئات التعليمية والإدارية) رسائل إلى أهالي التلامذة في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، ورد فيها: «نود أن نحيطكم علماً أن عدداً من تلميذاتنا وتلاميذنا المهتمين الآن بهذه السلسلة «13 سبباً لماذا؟» قد يتأثرون بما يشاهدونه من قضايا حساسة مثل الانتحار والاكتئاب، والاغتصاب والترهيب. ويمكن أن تكون لهم ردود أفعال أو قلق أو رغبة في مشاهد العرض. ونحن نرى أن تشاركوهم العرض وتناقشوه معهم». وفي السياق التعليمي أيضاً، وجّهت مدارس كثيرة رسائل مماثلة تحض الأهل على أخذ الحيطة والحذر. فالمديرة ناتالي بلينو شاهدت المسلسل ورأت أنه «لا يشجع على الانتحار وحسب، وإنما على الاغتصاب فضلاً عما يتضمّنه من عروض صادمة تصعب رؤيتها، وهي لا تتماشى مطلقاً مع أخلاقنا وقيمنا». وناشدت وزيرة الصحة العامة في كيبيك لوسي شارلبوا الأهل انتباه لما يشاهده أبناؤهم على قنوات التلفزة ومواقع الإنترنت (وحده موقع «تويتر» تلقى أكثر من 11 مليون تعليق). ولفتت إلى أنه «إذا كان عرض المسلسل متاحاً وطبيعياً في أميركا، فلسنا مضطرين لنقل هذه العدوى المميتة إلى أطفالنا». وزادت: «وجّهنا تحذيرات شديدة إلى الأهل لمراقبة أبنائهم، وخصصنا خطوط هاتف ساخنة وأجهزة مراقبة يديرها مختصّون على شبكة الإنترنت على مدار الساعة. وأوصينا بعقد اجتماعات استثنائية مغلقة في المدارس مع التلامذة، وإجراء حوارات جريئة وشفافة تتناول كل ما يمت إلى الانتحار بصلة».