تزايدت أهمية ملف العمالة الأجنبية في روسيا الاتحادية، وبخاصة بالنسبة للأجانب الذين يسكنوها وزوجاتهم من الروسيات على حد سواء. نظرياً، الأمر يبدو سهلاً، ولكن عملياً السؤال: «هل يمكن العثور على فرصة عمل جيدة ومرموقة تتناسب مع تخصص الأجنبي المقيم»؟ بات مطروحاً بإلحاح. وذلك بسبب الحال التي وصل إليها الأجنبي وبخاصة من ذوي الأصول العربية وزوجته الروسية. وتُعتبر روسيا واحدة من أبرز الدول المستقطبة للأجانب الذين غالباً ما يبقون فيها بعد الانتهاء من دراستهم بهدف العمل، وبات عدد كبير منهم ممن يملكون أعمالاً خاصة ويحملون الجنسية الروسية. ويبرز الأجانب العاملون في التجارة في مختلف الأسواق، وفي كثير من الحالات تكون نشاطاتهم مخالفة للقانون، أي من دون تصريح عمل. ويبقى عمل الأجنبي مرهوناً بالقانون وبمجموعة مستندات يتوجب على العامل الأجنبي الحصول عليها كي يحق له ممارسة العمل في روسيا. ومخالفتها تؤدي إلى جعله عرضة للغرامة وفي بعض الأحيان توصل إلى ترحيله لبلده، من دون أن يشفع له كون زوجته من مواطني روسيا الاتحادية، أو امرأته حاملاً بطفل قد يولد في أي لحظة. وبالتالي، فإن ملاذه الوحيد الحصول على البطاقة البلاستيكية «الثمينة»، التي تمنح صاحبها حق العمل، وبالتالي عليه أن يُقدّم إلى سلطات دائرة الهجرة الاتحادية لائحة طويلة من المستندات، تبدأ بجواز سفره مع صورة مترجمة وموثقة، ولا تنتهي بشهادة صحية تثبت أنه لا يحمل أمراضاً معدية أو سارية. وإن حالف الحظ صاحب الطلب وحصل على رخصة العمل، يبدأ الشق الثاني من المعضلة والمتمثّل بالعثور على صاحب عمل لديه القابلية لتشغيل العمالة الأجنبية. وتقول إحدى السيدات شاكية: «زوجي مهندس وخريج واحدة من الجامعات الروسية المرموقة، وسيرته الذاتية تخوّله الحصول على وظيفة، يمكن أن توفر لنا عيشة مريحة... ولكن في النهاية قيل لنا أن سيرته الذاتية جيدة جداً ولكنه لا يملك الجنسية الروسية، وكان ذلك السبب الرئيسي في عدم حصوله على الوظيفة، على رغم أنه يمتلك إقامة». وتضيف: «اتضح أنك حين تكون أجنبياً أسهل عليك الحصول على المواطنة من الحصول على تصريح عمل في بلدنا». وقد باتت النتيجة تحوّل عدد كبير من الزيجات إلى زيجات مصلحة يكون الهدف منها مجرد الحصول على جواز سفر روسي. ويلجأ الرعايا الأجانب إلى العمل بصورة غير قانونية وبخاصة في المطاعم، أو كمدرسين للغة العربية، أو عمال شيشة وغير ذلك من الأعمال... وهم في غالبهم يكونون حاصلين على التعليم العالي... إلاّ أن الظروف أوصلتهم إلى هذه المهن بسبب عدم تمكنهم من العمل في مجال تخصصهم. ويعتبر محظوظاً من يجد عملاً في روسيا، ومع ذلك فالمحظوظون في العثور على عمل قانوني، يواجهون العديد من التحديات في مجال العمالة، وبالتالي فإن الشركة التي تقبل بعامل الأجنبي عليها اتباع الإجراءات القانونية كافة. ومن أبرزها التبرير في حال الرغبة في جلب الأجنبي المتخصص، إذ يجب على صاحب العمل أن يذكر أسباب دعوة الأجنبي للعمل، وإذا وجدت الإدارة العامة للعمالة أنها أسباب غير كافية تعتبر غير مقبولة، وقد ترفض إصدار الترخيص المطلوب للسماح له بالعمل. أمّا إذا انتهت المرحلة الأولى بنتيجة إيجابية، فتبدأ المرحلة التالية، لاستكمال الحصول على إذن لجلب العمالة الأجنبية، وهذه المرحلة من اختصاص دائرة الهجرة الفيديرالية. وللقيام بذلك، يتوجب على صاحب العمل تقديم عدد من الوثائق لدائرة الهجرة وبعد ذلك يمكن للأجنبي الحصول على تصريح عمل في روسيا. من دون أن تنتهي رحلته التي تتصعّد بإبلاغ دائرة الضرائب الاتحادية والدائرة الاتحادية للهجرة، وهيئة التفتيش العمالية والتوظيف، وهو ما يأخذ من الوقت والمال والأعصاب الكثير. وتقول إحصاءات رسمية إن روسيا ستجد نفسها أمام معضلة حقيقية تتمثل في نقص حاد في الأيدي العاملة خلال سنوات قليلة مقبلة، ولكن يبدو أن مَن يقرع أجراس التنبيه يعيش في وادٍ، والغالبية الساحقة من المؤسسات والأجهزة المعنية الأخرى تعيش في وادٍ آخر بعيد تماماً عمّا تشير إليه هذه الدراسات.