من الطبيعي أن يتساءل المراقب للشأن الإيراني عمّا إذا كان غرور السلطة قد بلغ بمحمود أحمدي نجاد حداً لم يعد يدرك معه حجم موقعه في الهرمية الإيرانية، ومدى قدرة منصب الرئاسة على تحدّي المرشد الأعلى وقائد الثورة في الجمهورية الإسلامية؟ ذلك أن المواجهة بين المرشد والرئيس ليست جديدة على الثورة الإيرانية. وهي مواجهة معروفة النتائج، إذ أن لها علاقة بالصلاحيات المطلقة التي تمنحها الثورة لقائدها الأعلى، من إشراف على الجيش و «الحرس الثوري» والقضاء والإعلام، في مقابل الصلاحيات «الزمنية» التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية المنتخب. فضلاً طبعاً عن كون المرشد يتولى منصبه، مبدئياً، مدى الحياة. بينما ولاية الرئيس هي لأربع سنوات لا يستطيع تجديدها سوى مرة واحدة. ومنذ أيام الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، كان واضحاً أن صلاحيات قائد الثورة لا حدود دستورية لها في الواقع، وأن صلاحيات الرئيس الفعلية هي تلك التي يتيح له المرشد أن يتمتع بها، لا أكثر ولا أقل. وقد جرب رؤساء سابقون اللعب في المنطقة الرمادية بين صلاحية المؤسستين، كما فعل أبو الحسن بني صدر وهاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، فوجدوا أنفسهم سريعاً خارج اللعبة ومُبعدين عن القرار. قد يكون نجاد صدّق أيضاً الدعاية السياسية الرسمية التي رافقت عملية انتخابه للمرة الثانية عام 2009 والتي وصفت النتائج بأنها تعبّر عن قرار الإيرانيين، في تجاهل فاضح للشكوك واتهامات التزوير وأعمال القمع التي تولاها «الحرس الثوري»، ونداءات «أين صوتي» التي رفعها المتظاهرون في شوارع المدن الإيرانية. فالحقيقة أن إعلان فوز نجاد كان نتيجة تدخل فعلي للمؤسسة الدينية بإشراف مباشر من خامنئي، كان «الحرس الثوري» أداته التنفيذية، وهو ما قطع الطريق على فوز وجه المعارضة البارز مير حسين موسوي، كما أشارت النتائج الأولى للانتخاب، قبل رميها في سلال المهملات. اعتقد أحمدي نجاد أن سلطاته تخوّله تعيين الوزراء وعزلهم. كانت البداية عندما حاول إقالة حيدر مصلحي وزير الاستخبارات في نيسان (أبريل) الماضي، لكن خامنئي أمر بإعادته الى منصبه. «حرد» نجاد 11 يوماً واعتكف في منزله، ولم يعد إلا بعد أن وصله تهديد بأنه سيتعرض للمساءلة أمام مجلس الشورى إذا لم يعد لممارسة صلاحياته. بعد ذلك كان الخلاف مع المرشد حول إقالة عدد من الوزراء وتعيين آخرين، ثم كان الخلاف الأبرز عندما قام وزير الخارجية علي أكبر صالحي، الذي جاء به نجاد خلفاً لمنوشهر متقي (بعد اتهامه بتجاوز تعليمات الرئيس) بتعيين محمد شريف ملك زاده نائباً له. لكن هذا اضطر للاستقالة بعد ثلاثة أيام، عندما قامت حملة في وجهه داخل المجلس، حول علاقته بمدير مكتب نجاد وقريبه اسفنديار رحيم مشائي. وملك زاده معتقل الآن بتهم الفساد، مع ثلاثة آخرين مقربين من نجاد ومشائي. وتروى في إيران قصص كثيرة عن مشائي هذا نسيب نجاد (ابنه متزوج من ابنة مشائي). فهو متهم بأنه يقود تياراً انحرافياً معادياً للثورة، يسعى الى تقويض سلطة المؤسسة الدينية لمصلحة السياسيين المدنيين، وبأنه، بتغطية من نجاد، متورط في الفساد ويتعاطى السحر ويخاطب الجنّ، كما تلاحقه الاتهامات بأنه دفع أموالاً لشراء أصوات دعماً لنجاد في الحملة الرئاسية عام 2009، بلغت 80 دولاراً للصوت، وهذه المرة الأولى التي تظهر في أروقة المؤسسة الدينية في إيران شكوك في شأن التزوير الذي شهدته تلك الانتخابات، بعد أن التف الجميع للتغطية عليها، في وجه حملة المعارضة «الخضراء». يحاول أحمدي نجاد الرد على الحملة عليه بأنه يتمتع بدعم خامنئي، ويصف علاقته به بعلاقة الابن بأبيه، ويحرص عند ظهورهما معاً على شاشات التلفزيون على تقبيل يد المرشد. لكن رجال الدين المحافظين الذين يتخوفون من دائرة النفوذ التي يحاول نجاد أن يبنيها حوله، انتقدوا صفة البنوّة هذه التي يدعيها، وردوا عليه بأن العلاقة مع خامنئي يجب أن تكون علاقة القائد بالشخص الذي ينقاد له، وأي وصف مخالف هو كلام «انحرافي». لا تعني الحملة على أحمدي نجاد أن أيامه في الرئاسة أصبحت معدودة. فإيران لا تتحمّل صراعاً من هذا النوع في هذا الوقت، لا تسمح به ظروف معاركها الخارجية، وظروف المنطقة. كل ما يمكن أن تنتهي إليه هو تطويق نجاد من قبل المؤسسة الدينية، صاحبة القرار الفعلي، وقطع الطريق على طموحاته وطموحات صهره، سواء في الانتخابات النيابية في العام المقبل، أو في انتخابات الرئاسة في العام الذي يليه.