فيما يلعب بعض المحطات العربية دوره في التركيز على الثورات العربية، على أمل تحوّل هذا الدور مستقبلاً إلى التركيز على الانتخابات، تقوم المحطات الفرنسية منذ أشهر بتكثيف إخباري يتناول التحضيرات للانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة في 2012, وتلعب دورها هي أيضاً ضمن حسابات مهنية وإعلامية وسياسية معقدة للتأثير في الرأي العام الذي أثبت أحياناً في ما سبق، أن في مقدوره قلب كل تلك الحسابات. منذ الخريف الماضي بدأ ظهور إعلامي مكثف لمارين لوبن مرشحة حزب اليمين المتطرف في فرنسا (الجبهة الوطنية)، فهي قد خلفت والدها في رئاسة الحزب ووصلت نسبة مؤيديها إلى 17 في المئة، نسبة ارتفعت في الربيع (هي أيضاً) إلى 25 في المئة. ثم مع اقتراب موعد الانتخابات، كثرت برامج الحوار على المحطات التلفزيونية مع ممثلي مختلف الأحزاب السياسية. وظهر على «فرانس 2» برنامج جديد هدفه المعلن المقارنة بين التصريحات والوقائع لرجال السياسة، وقد استضاف الخميس الماضي في حلقته الأولى لوبن. هذا الخيار ربما جاء لأنها مرشحة رئيسة أو لعلها إشارة إلى أن تصريحاتها تتناقض مع حقيقة حزبها، أو قد يكون لجذب المشاهدين، لا سيما أن المناقشات معها ستكون كالعادة حامية. استطاع البرنامج شدّ اكثر من ثلاثة ملايين متفرج، وكان دور المحاور فيه ثانوياً. فهو هنا ليدع ضيفه يواجه وحيداً ولمدة ساعتين خصوماً أشداء دعاهم أيضاً فحضروا ومعهم الملفات والأرقام وكل ما من شأنه التعريف حقاً بالضيف والإيقاع به... فكان على زعيمة الجبهة الوطنية أن تجابه هنا كاتبين صحافيين اضافة الى خبير اقتصادي وممثلة حزب البيئة. وكالمعتاد، تجلت الموهبة الإعلامية التي يعترف بها الجميع للوبن والتي اكتسبتها من عملها السابق كمحامية، وبدت شخصيتها الصلبة و«إخلاصها» في الدفاع عن برنامجها الذي «سينقذ» فرنسا من اليورو وأوروبا والمهاجرين. وبدت ك «البطل الصامد» وحيداً في الميدان أمام عدوانية المهاجمين وطريقتهم معها التي افتقدت الاحترام. فهؤلاء لم يكونوا بالتأكيد ليخاطبوا بهذه الطريقة ممثلاً عن حزب آخر، لكن الفرنسيين في شكل عام يشعرون ب «خطورة» حزبها على قيم الجمهورية الفرنسية ويسعون لصدّ تقدمه. «لن أحمرّ خجلاً من الحزب الذي أقوده»، قالت لوبن التي تريد لحزبها أن يكون كبقية الأحزاب وأن تُنزع عنه صفة «الشيطانية، لكنها ووجهت في البرنامج من دون أن تتمكن من الرد بما يتناقض مع تصريحاتها حين أشير إلى عبارة وردت في برنامج حزبها على الانترنت تقول «يصعب أكثر فأكثر الحصول على منضمين (الى الجيش) ذوي نوعية، إذ إن عشرين في المئة من المجندين الجدد هم من أصول مهاجرة من البلدان المسلمة»! كشف الحوار من ضمن ما كشف التناقض الصارخ بين تصريح مارين لوبن «لا يحركنا الكره لأي كان»، وما ورد في برنامج حزبها من عنصرية تجاه المسلمين. وستكشف برامج الحوار الممتعة تلك أكثر فأكثر للمشاهدين توجهات المرشحين وبرامجهم، ما قد يقلب المعادلات والنسب.