استبعدت نائب رئيس البرلمان السويسري مايا غراف مواجهة بين الولاياتالمتحدةوروسيا للهيمنة على منطقة القطب الشمالي. وأكدت غراف في مقابلة مع «الحياة» أن «الأزمة الأوكرانية ساهمت في تغيير واقع العلاقة بين واشنطن وموسكو مقارنة بما كانت عليه قبل 40 سنة»، موضحة أن العلاقة اليوم مقلقة ومتوترة، ولكن لا يمكن الحديث بعد عن تداعيات خطرة على العالم». وأضافت: «حتى في حال اندلاع حرب روسية-أميركية، ستبقى سويسرا، على غرار سلوكياتها في الحربين العالميتين الأولى والثانية، صديقة الجميع، علماً أن العلاقات الأميركية - الروسية الحالية دخلت عصراً جليدياً جديداً منذ وصول الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى البيت الأبيض». وفي ما خص الاستثمارات الروسية في سويسرا، أكدت غراف «أنها تراجعت كثيراً منذ أن قرر الرئيس فلاديمير بوتين الانسحاب نهائياً من القارة القديمة للعودة إلى عقلية يورو - آسيوية تتناسب أكثر مع تطلعاته الجيوسياسية». وأضافت: «على رغم المواقف الروسية العدائية تجاه الولاياتالمتحدة، إلا أن العلاقات السويسرية - الروسية لم تتأثر، فحكومة برن تعتبر روسيا صديقة جديدة لها». وأصبحت روسيا صديقة لدول عدة منذ أن حققت شهرة دولية من ثورة النفط في أوقات قصيرة، بينما يعتمد النظام الاقتصادي الروسي، أكثر من نظيره السعودي، على الثروة الهيدروكربونية لتحقيق أهدافه المنشودة. ويكفي النظر إلى سعر النفط الروسي الذي قفز من 20 دولاراً في تسعينات القرن الماضي إلى أكثر من 100 دولار لبرميل اليوم. واعتبرت غراف أن «بوتين فشل في إعادة تصنيع روسيا مدنياً، ونظراً إلى البدائل الاقتصادية شبه المعدومة التي تساعد روسيا على استعادة مجدها السابق، اختار بوتين طريق إعادة التصنيع العسكري عبر تخصيص نحو 700 بليون دولار لمضاعفة قدرات القوات المسلحة، البحرية والجوية والبرية». ولفتت إلى أن «العالم شهد في السنوات ال30 الماضية ولادة نماذج نمو اقتصادي انفصلت عنها روسيا تدريجاً، كما أن الغوغاء ما زالت تهيمن على قطاع الاستثمارات الروسية الخاصة التي نجح رجال أعمالها في تهريب نحو 330 بليون دولار إلى الخارج خلال السنوات الأربع الماضية». واستبعدت غراف أن «يكون جزء من هذه الأموال في المصارف السويسرية»، معتبرة أن «اللوم يقع على النموذج الليبيرالي-الديموقراطي في كل من الولاياتالمتحدة وأوروبا، والذي يعاني اليوم أزمة عميقة ولم ينجح في مدّ يد العون إلى روسيا التي تفتقر إلى مسار ديموقراطي، يساعدها على الانتعاش». وأكدت غراف أن «أسباب النزاعات النظرية والعملية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ليست فقط الأزمة السورية والعقوبات الدولية ضد إيران، بل هناك سوء تفاهم قديم بين الطرفين نتيجة توسع الحلف الأطلسي نحو أوروبا الشرقية، فضلاً عن مناوشات عدوانية تحصل في منطقة جيوسياسية، أوروبية وآسيوية، كانت تابعة للاتحاد السوفياتي، واستخدام القوة من دون قرار من مجلس الأمن في كل من صربيا وليبيا». وأضافت: «نرى أن الحكومة الروسية تعاني قلة توازن في تحركاتها الاقتصادية الدولية، وبدلاً من إبرام اتفاقات تجارية مع أوروبا وسويسراوالولاياتالمتحدة، تواصل روسيا تسليح جنودها، وعددهم مليون جندي، بهدف إشعال نزاعات، قد تكون غير محدودة مع الدول الغربية». وأضافت: «الولاياتالمتحدة تسير في اتجاه مجهول، ففي تسعينات القرن الماضي، كانت سيدة العالم، ولكن منذ عام 2010، بدأ البيت الأبيض التملص من مسؤولياته الدولية، وعلى رغم أن أوكرانيا أشعلت الحرب الباردة بين روسياوالولاياتالمتحدة، تبقى سويسرا حليفة الأخيرة ولا تعارض في الوقت ذاته صداقة متينة مع روسيا». وتعطي غراف أهمية اقتصادية وسياسية لدولة إيسلندا في الصراع الروسي-الغربي الحالي، فالهيمنة عليها تكفي للسيطرة على منطقة القطب الشمالي. ومن جهتها، تنظر الصين بجشع إلى المناطق التي قد تفتح أمام سفنها التجارية جراء ذوبان جبال الجليد، ما يعني أن إيسلندا تعتبر موقعاً تجارياً متقدماً بالنسبة للصين وغيرها من الدول النامية. وتؤمن غراف بأن جبال الجليد في المنطقة القطبية الشمالية تحتضن في أعماقها ثروة تثير شهية الشركات السويسرية. ويُذكر أن إيسلندا تعتبر من أولى الدول الأوروبية التي أبرمت اتفاق تجارة حرة مع الصين لإنعاش تجارة السمك والمعدات الخاصة بالصيد وغيرها. وإضافة إلى القدرات الإنتاجية للمناجم الغنية بالمعادن الثمينة في إيسلندا ومنطقة القطب الشمالي، ساهمت ظاهرة الاحتباس الحراري في تحويل البلد الجليدي إلى أرض يمكن استغلالها تجارياً. وصحيح أن أغنياء الصين توغلوا تجارياً فيها، لكن غراف شددت على ضرورة «عدم التقليل من شأن رجال الأعمال السويسريين وشركاتهم التي تبحث عن مكان آمن في الخارج».