يرى أستاذ الدراسات السينمائية بالجامعة الأميركية في القاهرة مالك خوري أن واقع السينما العربية منذ بداية ثمانينات القرن الماضي عكس تحولات وصراعات مفصلية كانت قد بدأت تطاول المنطقة العربية في ذلك الوقت، إذ تصاعد نفوذ التيارات الدينية المتطرفة، ما شكّل بالنسبة الى المثقفين والسينمائيين العرب واقعاً جديداً لا التباس في نتائجه- مناخاً من الكبت السياسي والفكري العام- كما ساهم في تراجع واضح لمفاهيم قبول الآخر الديني والإثني والفكري داخل هذه المجتمعات. ويضيف خوري في كتابه «السينمات البديلة... مكونات... تمايزات... وآفاق»، الصادر عن نادي سينما الجيزويت في القاهرة: «وعلى الصعيد الثقافي تحديداً فقد شهدت هذه المرحلة تصاعداً وترسيخاً لهيمنة رأس المال الخليجي على الصناعات السينمائية والتلفزيونية العربية، ما أشعر العاملين في الوسط السينمائي بضغوط من نوع جديد تجسد بعضها في فرض مقاييس أكثر محافظة على الأفلام السائدة سواء من ناحية تشجيع الإنتاج السينمائي الذي يتفادى القضايا السياسية أو من ناحية مباركة وتشجيع موجة من الأفلام التي تنضوي تحت ما أصبح يطلق عليه وصف «السينما النظيفة» التي اتسمت بتفادي الموضوعات الحساسة «دينياً» أو»أخلاقياً» أو»اجتماعياً». وعليه فقد أفرزت تلك المتغيرات ما يمكن توصيفه بسينما عربية بديلة والتي كانت بمثابة رد فعل على توسع هيمنة السينما التجارية السائدة في حينه واستمرت علامات هذه السينما البديلة تظهر بأشكال مختلفة حتى فترة اندلاع ما أطلق عليه الكثير من السياسيين والإعلاميين الغربيين توصيف «الربيع العربي». الموجة الجديدة في مصر ويكشف خوري أنه على رغم استمرار هيمنة السينما التجارية التي أضحت في تسعينات القرن الماضي تقترن بظهور أسلوب «إنتاج المقاولات»، فإن هذه المرحلة تمخضت أيضاً عن بعض المظاهر المغايرة وضمن المعالم الإيجابية خلال هذه المرحلة كان ظهور ما أطلق عليه النقاد اسم «الموجة الجديدة» في مصر. والتي شهدت إطلاق أفلام مهمة عدة، والتي لا تنضوي تحت لواء «السينما السائدة». ويشير في هذا الصدد إلى أفلام بينها «كابوريا»- 1990- و «ايس كريم في جليم» -1992- للمخرج خيري بشارة وأيضاً «البحث عن سيد مرزوق»-1991- للمخرج داوود عبدالسيد و «المواطن مصري» -1991- لصلاح أبوسيف و «آي آي» -1992- لسعيد مرزوق و «مرسيدس» -1993- ليسري نصر الله و «ليلة ساخنة» -1995- لعاطف الطيب و «نزوة» -1996- لعلي بدرخان و «مبروك وبلبل» -1998- لساندرا نشأت، كما تجدر الإشارة إلى أفلام مهمة ومميزة شكلاً ومضموناً منها أفلام ليوسف شاهين ومحمد فاضل ورضوان الكاشف ومحمد كامل القليوبي ومجدي أحمد علي. ... وخارج مصر أما في سورية فيرصد خوري أن بداية حقبة الثمانينات ومطلع التسعينات شكلت انطلاقة مميزة لعدد من السينمائيين الروائيين والتوثيقيين منهم سمير ذكرى ومحمد ملص وأسامة محمد وريمون بطرس ونبيل المالح وغيرهم. كما قدمت السينما التونسية عدة أعمال مهمة اتسمت بالتشديد على الواقعية ورسم ملامح الحياة في المجتمع التونسي خلال حقبات تاريخية مختلفة وحاز فيلم المخرج فريد بوغادير «حلفاوين: عصفور السطح» - 1990- اهتماماً كبيراً في الأوساط المحلية والأوروبية المهتمة بالسينما وتميزت هذه الفترة أيضاً بظهور أفلام المخرج ناصر الخمير التي رسمت أفقاً بصرياً جديداً للتعاطي مع المكان والبيئة العربية والهوية الثقافية والحضارية وتجديدها المميز لأسلوب السرد القصصي عبر تغييب البطل والتركيب اللولبي للقصة». كما كان هناك وقع محلي وعالمي مميز للفيلم المغربي «علي زوا» -2000- للمخرج نبيل عيوش. ولعبت أفلام تمتعت بشعبية واسعة مثل فيلم شريف عرفة «الإرهاب والكباب1992»، وفيلم «الإرهابي1994» لنادر جلال دوراً مركزياً في لفت النظر إلى موضوعات الإرهاب والتطرف الديني والتهميش الاجتماعي والسياسي كأطر مرتبط بعضها ببعض وتشكل أساساً في زعزعة الاستقرار الاجتماعي في مصر خلال تلك الفترة، كما كان لفيلم يوسف شاهين «المصير1997» دور مميز ضمن محاولات السينما العربية مواجهة صعود التيارات الأصولية... إذ قدم الفيلم رؤية تاريخية انطباعية للموضوع، وتناولت أفلام أخرى الموضوع نفسه في الجزائر وتونس مركزة على دور الحركات الأصولية في التأثير على الشباب والثقافة الشبابية في المنطقة ومن أهم هذه الأفلام «مدينة باب العويد1994» للمخرج مرزاق علواش و «رشيدة2002» للمخرجة يمينة بشير... وفي سورية كان فيلم «صندوق الحياة 2002» للمخرج أسامة محمد مثالاً طليعياً على تعاطي السينما العربية مع موضوع هزيمة 1967، بينما جاء فيلم «العاصفة2000» للمخرج المصري خالد يوسف متناولاً مأساة الحرب ضد العراق، ومشيراً إلى تراجع الفكر القومي في المنطقة العربية. وفي النهاية، يرى الدكتور مالك خوري أن كثيراً من التغيرات العامة التي طرأت على التوجهات الأساسية للسينما البديلة والتي أدت إلى تمايزات في لهجتها وتفاصيلها وأشكالها وأولوياتها واهتماماتها إلا أنها ما زالت تركز بشكل أو بآخر على قضايا وأفكار وأشكال تعبير مختلفة عن السينما السائدة سواء محلياً أو عالمياً.