مالمو - (قاسم حول) - «خاص بالمجلة الثقافية»: ست دورات لا أكثر مرت على تاريخ أول مهرجان سينمائي في مالمو، فتطور بشكل لافت في تنظيمه في اختيارات الأفلام وفي تنوع الفرص للسينما العربية. ذلك هو مهرجان مالمو للسينما العربية التي يترأسه الكاتب وعاشق السينما «محمد قبلاوي» يساعده طاقم من العرب والسويديين، يتابعون الأفلام المنتجة ويستقبلونها ويعرضونها لجمهور طالما غابت عنه السينما العربية بسبب غياب الحكمة العربية وسيادة الأنا والمصالح الذاتية على الموضوعية، عند الكثير من المهرجانات حيث تتوفر الفرص الممولة للسينما والتي تحولت من منح داعمة إلى ارتزاق وشروط تهيمن عليها روح البداوة وصلات القربى. ولكن الدعم الأوربي لم يكن يعرف هذه الدروب والمنعطفات. وحين يتقدم رئيس بلدية مالمو بدعم مهرجان السينما العربية فإنما من روح نظيفة في دعم الثقافة والثقافة السينمائية، وقد جاءت كلمته في افتتاح الدورة السادسة لمهرجان السينما العربية في مالمو متسمة بالحنان والصدق فهو يقدم للمهرجان أهم الصالات في مدنية مالمو تلك الصالات الأنيقة التي يقام فيها الاحتفال الافتتاحي أو الختامي، كي يلتقي السينمائيون العرب مع مثقفي السويد ومدينة مالمو. يبدو لي أن الهدف النبيل لبلدية مالمو ولمهرجان مالمو للسينما العربي يكمن في كليهما أن تتوجه الجاليات العربية نحو الثقافة وبكل ما تحويه مفرداتها من معان سامية حين يلجأ التخلف في زرع بذور الإرهاب داخل المجتمعات العربية ويسافر خارجها حيث يقيم العرب هادئين في بلدان تضفي على الضيوف كل الحنان وتتعامل معهم كمواطنين أصليين وليسوا من درجة ثانية أو ثالثة. وفي الوقت الذي تتهدم فيه صالات السينما العربية وترمى أشرطة الذاكرة الأرشيفية منذ بداية القرن العشرين حتى الآن، ترمى مع الأنقاض وتتلف تحت زخات المطر شتاء ودرجات الحرارة القاسية صيفاً، ويحرم السينمائيون حتى من عرض أفلامهم على جمهورهم العربي، تتفتح زهور أوربا وحدائق السويد وفي مالمو بالذات أمام الثقافة السينمائية العربية والأفلام السينمائية العربية فتقدم الأفلام للجاليات العربية المتواجدة في المدينة وعلى حد سواء لجمهور السويد في مدينة مالمو كي يتعرفوا على رؤية المثقف العربي لواقعه، وليتعرف السينمائي نفسه على صيغ التعبير عن الواقع ومدى نجاحه في مخاطبة العقل المتلقي. اتسم مهرجان مالمو للسينما العربية بدقة التنظيم، فهو منذ شهور قبل انطلاق المهرجان عرف عدد الأفلام كما عرف نوعها من خلال متابعة مستفيضة للإنتاج السينمائي العربي، ومن خلال زيارة رئيس المهرجان السيد القبلاوي لمهرجانات السينما العربية لكي ينتقي الجديد والمهم من السينما العربية. شاهدته في سينما المؤلف في الرباط وكنت قد هنأته بالسلامة عبر «الفيس بوك» لأنه أجرى عملية صعبة للقلب وهو لما يزل في مرحلة الاستجمام التي تحتم الراحة والاستراحة شاهدته في الرباط وهو يواكب عروض كل الأفلام ويعمل الاتفاقات قبل أن يستكمل مرحلة الاستجمام، هو عشق السينما الأزلي الذي إذا ما أصيب الإنسان بفايروس السينما الجميل والإيجابي لا يتمنى لصاحبه الشفاء! فيلم الافتتاح «نواره» .. وهالة خليل .. والتطور النوعي للشكل والبناء المحكم للكتابة. قلما يسعدني فيلم عربي في كل تاريخي الشخصي السينمائي، والأفلام التي أسعدتني تكاد لا تتجاوز أصابع اليد بين آلاف الأفلام العربية المنتجة. وبشكل خاص في مشرقنا العربي، حيث المغرب العربي بدأ ينضج سينمائيا بسبب العلاقة مع فرنسا الراعية للثقافة المغاربية إذ كانت بلدان المغرب تحت وصايتها السياسية، فأخفقت في السياسة وبقيت مرتبطة مع فرنسا في الثقافة. الأفلام العربية المصرية كانت تحاكي في بداياتها أفلام المجتمع الأمريكي التي كانت تنتجها هوليود، وكانت حتى إن كثيرا من الأفلام كانت تستنسخ على جهاز المافيولا ويتم تقليدها بأداء ممثليها بإضاءتها وحتى بحركة الكاميرا، وكانت كثيرا من نجمات السينما المصرية ونجومها تحاكي النجوم الأمريكية ونجمات السينما الأمريكية، لكنها بقيت تفتقد الملامح المصرية وإيقاع الحياة المصرية، فتبدو أفلاما أمريكية بملابس عربية، وبقيت هذه الظاهرة من الأفلام الاجتماعية الأمريكية سائدة حتى نهاية الخمسينات، وبعد ذلك دخل القطاع العام المصري يزج نفسه في مجال السينما بدعوى طبيعة التحولات السياسية والاشتراكية على المجتمع المصري، ولكن سرعان ما أدرك هذا القطاع بطلان نظرية سينما الإيديولوجيا. يأتي فيلم نوارة للمخرجة «هالة خليل» ليعكس طبيعة الواقع المصري بلغة سينمائية واعية امتزجت في بعض مشاهدها القيمة البصرية التعبيرية بالقيمة الواقعية، وقد برز ذلك في المشاهد الأخيرة، تميز الفيلم بحبكة البناء الدرامي حيث وفرت المخرجة للفيلم كتابة سلسة ما يتيح لكل الفنيين والتقنيين والممثلين من فهم لغة الفيلم بدون عناء وهم كانوا يؤدون أساسا ولا يمثلون. كان اختيار رئيس المهرجان ولجنة انتقاء الأفلام موفقا لافتتاح المهرجان لهذا الفيلم الذي أحبه الجمهور العربي والسويدي على حد سواء ما جعل صالات سينمائية موازية للمهرجان أن تختاره لمشاهديها. توالت عروض الأفلام التي بلغ مجموعها أكثر من مائة فيلم توزعت على الصالات بين الفيلم الروائي الطويل والفيلم القصير والوثائقي، فانتظر الجمهور فيلم مي مصري 3000 ليلة وتفاعل معه كثيرا، وقد حصد جائزة المهرجان الأولى فيما حصل فيلم نوارة على جائزة أحسن ممثلة وأحسن سيناريو، وكانت العروض في صالات مدينة مالمو تشهد نشاطاً حرك الواقع بالثقافة وحفز الكثير من السينمائيين على تجديد نشاطهم في أفلام جديدة، وهذه إحدى ميزات مهرجان مالمو وليس جميعها. من الأفلام القصيرة التي جلبت انتباه لجنة تحكيم الأفلام القصيرة التي وجدت فيها أنا شخصيا مادة سينمائية فكرية وشكلا فنيا ممتازا هو الفيلم المصري «حار جاف صيفاً» كما جلب انتباهي الفيلم التونسي «آية والبحر» والفيلمان شكلا شغفا إنسانيا مؤثراً لما يحويانه من جمال الأداء ومتانة بناء السيناريو. تكريم المبدعين اعتاد مهرجان مالمو للسينما العربية على تكريم مجموعة من المبدعين تقديراً لدورهم في صناعة الفيلم العربي ونضالهم في ظروف صعبة من تحقيق سينما عربية جادة. وفي هذا العالم تم تكريم « الناقد السينمائي إبراهيم العريس» وهو باحث في التاريخ الثقافي، وسينارست، وكان قد تنقل بين أروقة عالم السينما فصار موسوعة في السينما، وهو يرأس صفحات السينما في جريدة الحياة. كما تم تكريم الكاتب والمخرج المصري «عمر عبد العزيز» أخرج سبعة وعشرين فيلما وعشرة مسلسلات تلفزيونية، وحاصل على العديد من الجوائز العربية والعالمية ويرأس حاليا الاتحاد العام للنقابات الفنية. وتكريم الممثلة اللبنانية مادلين طبر، وكانت تخرجت من كلية الإعلام في لبنان عام 1982 كما عملت في الشبكة اللبنانية ومذيعة تلفزيونية وبعدها انتقلت إلى مصر لتمثل في العديد من الأفلام منها «الطريق إلى إيلات، ووجه القمر وريش نعام»، وتم تكريم «الممثلة فاطمة الوكيلي» وهي كاتبة سيناريو مغربية وممثلة وصحفية وأنجزت الكثير من الأفلام مثل فيلم «نساء وآخرون نساء» وهي تحمل شهادة بكالوريوس في الفلسفة والعلوم الاجتماعية، كما جرى تكريم المخرج والكاتب العراقي قاسم حول» الذي بدأ حياته المسرحية وعمره ستة عشر عاما، وأنشأ فرقة النور المسرحية في البصرة وقدمت الفرقة العديد من المسرحيات ثم انتقل إلى بغداد ليلتحق بمعهد الفنون الجميلة، وأثناء دراسته كان يمارس النقد السينمائي وبعد تخرجه باشر بتأسيس مؤسسة أفلام اليوم وأسس فرقة مسرح اليوم وأصدر مجلة السينما اليوم. أخرج في حياته 28 فيلما منها خمسة أفلام روائية طويلة، وحازت أفلامه على جوائز عربية وعالمية. وتزامنا مع تكريم المخرج قاسم حول في مهرجان مالمو قامت منظمة السلام العالمي ومقرها جنيف بإعلان تكريم المخرج لنضاله من أجل السلام وضد الأرهاب والعنف في العالم. أعلن هذا التكريم السيد محسن الشريدة، مستشار مكتب السلام العالمي في الشرق الأوسط، الذي حضر المهرجان لإعلان هذا التكريم. وقد جرى في مدينة لاهاي الهولندية احتفالا بتكريمه ومنحه شهادة منظمة السلام العالمي. لجان التحكيم توزعت لجان التحكيم بين العرب والسويديين وانقسمت إلى ثلاث مجموعات المجموعة الأولى تخصصت في الأفلام الروائية الطويلة والمجموعة الثانية تخصصت في الأفلام القصيرة، والمجموعة الثالثة تخصصت في الأفلام الوثائقية. لقد جاء في كلمة اختتام مهرجان مالمو للسينما العربية 2016 التي تلاها رئيس المهرجان محمد قبلاوي. «لقد كبر ويكبر مهرجان مالمو بكم ويتقدم نحو المزيد من الطموحات عبر النجاحات المتتالية التي نستمدها من أعينكم وتتقدم السينما العربية نحو عوالم جديدة يحثها عشق الحياة وثقافة الحياة والتعايش والتنوع» هل نستطيع القول: إن مهرجان مالمو للسينما العربية قد جعل من مدينة مالمو مدينة للسينما العربية؟ نعم نستطيع ذلك!