«الثورات الشعبية، تأخر الامتحانات، رمضان، إي كولاي، تسونامي وغلاء المعيشة»، سداسية قد تضاف إليها أسباب وإكراهات أخرى، ضيقت مساحة التفكير والخيارات المطروحة لدى الكثير من الشباب القطريين لقضاء إجازتهم السنوية هذا العام، بل إن صيف هذه السنة في نظر البعض قد يكون الأكثر إثارة للحزن في نفوس الشباب والأطفال. كيف لا، وقد اتحدت في وجههم كل المنغصات التي تحرمهم أو تنكد عليهم إجازتهم الصيفية، وتضيق مساحة الاختيارات. وبينما يبدو البقاء في الدوحة خياراً حتمياً لا مفر منه لدى الكثيرين ممن قرروا انتظار إجازة عيد الفطر، فإن المسألة محسومة بالنسبة لغالبية المقيمين الذين يناديهم حضن الوطن ولو لأيام معدودة. وككل سنة، في هذا الوقت، تتدفق على الصحف عشرات الإعلانات الدعائية لشركات السياحة والطيران، لاستقطاب المواطنين القطريين بدرجة أولى، والمقيمين بدرجة ثانية، وتغريهم بترتيب إجازات أسبوعية في دول عربية وآسيوية وأوروبية بتخفيضات نوعية، بينما تكتظ شركات الطيران بالمسافرين لحجز تذاكر تشهد التهاباً في أسعارها، وقد تصل الى الضعف في هذا الموسم السياحي، لمن تأخر في الحجز. بيد أن القطريين المشهود لهم بالإنفاق الواسع على مشاريعهم السياحية وإجازاتهم السنوية، والذي بلغ 3 بلايين ريال أي ما يعادل 824 مليون دولار بحسب الأرقام الرسمية، بدأوا بشد الأحزمة وخفض معدلات إنفاقهم التي تتراجع من عام إلى آخر، بفعل ضغوطات الحياة التي لم يسلموا منها. وعلى رغم أن قطر تعد الدولة الأغنى عالمياً في معدل دخل الفرد، وفق التصريحات الرسمية، لم يعد خافياً أو مستغرباً أن تقرأ وتسمع شكاوى من غلاء الأسعار، وهو ما انعكس تلقائياً على مصاريف الإجازة السنوية. وصار القطريون أكثر حذراً في نفقاتهم، في مواجهة إغراءات المصارف التي تثقل كاهلهم بقروض لسنوات طويلة، وباتت أعناق الكثيرين منهم مربوطة بحبل القروض لفترات تتعدى أحياناً عشرين أو ثلاثين عاماً! الإكراهات المالية التي جعلت الكثير من الشباب يستسلمون لحسابات أوليائهم، ليست وحدها التي ضيقت مساحة الحرية في قضاء إجازة صيف العام. بل إن لسان حال الكثير من الشباب يبدو ناقماً من «تقزيم» فترة الإجازة الصيفية، بسبب قرب شهر رمضان الذي لا يحلو صيامه خارج الدوحة. يضاف الى ذلك هذا العام تأخير الامتحانات الدراسية لأن طلاب الثانوية العامة لم يستلموا نتائجهم إلا نهاية الأسبوع الماضي، وطلاب الجامعات ودعوا مقاعدهم منذ فترة، لكن كثيرين منهم مرتبطون بالامتحانات والدورات التخصصية، فلم يكن هناك سوى شهر واحد على الأكثر - للمحظوظين منهم - لأجل ترتيب سفرة الصيف، بعدما اعتادوا على شهرين أو ثلاثة في السابق، لقضاء إجازة مطولة بين عدد من الدول. وفترة الشهر المتاحة لبعض الشباب القطريين، تضايقها إكراهات أخرى، فتحديد الوجهة بات اليوم هماً إضافياً، لأن الكثير من الدول دخل في خانة القائمة السوداء بفعل الظروف السياسية. فمصر لم تعد تغري الكثير من الشباب، بفعل ما يقرأونه ويسمعونه في وسائل الإعلام من انتشار الجريمة والسرقة والفوضى نسبياً، وسورية تخيف أهلها من العودة إليها قبل ضيوفهم في انتظار أن يتضح مستقبلها. وتونس والمغرب اللتان توصفان بقبلة السياحة المغاربية ليستا بأحسن حال من مصر، ولو بدرجة أقل في المغرب بعد التفجيرات الأخيرة في مراكش واستمرار التظاهرات في الشارع. أما البحرين التي تغري الكثير من الشباب والعائلات لأجل التسوق، فباتت هي الأخرى تثير المخاوف بسبب عدم الاستقرار. سحابة الثورات الشعبية التي تخيم على سماء الكثير من الدول العربية، جعلت خيارات الشباب القطريين وعائلاتهم تتركز على زيارة دول بعينها من دون جولات على دول محيطة. ويبدو لبنان بجباله قبلة عشاق التسلق والسياحة الطبيعية على رغم المحاذير والمخاوف من انسحاب الأحداث في الجارة الشامية إليه وعودة بعض الاشتباكات الطائفية. وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا التي كانت في السنتين الماضيتين القبلة الأولى للقطريين خصوصاً الباحثين عن الوقوف على أطلال أبطال المسلسلات التركية، فباتت اليوم قبلة للنازحين السوريين الهاربين. «حتى أوروبا لحق بها النحس يا ربي»، يقول شاب قطري مستغرباً الأقدار التي جعلت خياراته في الإجازة الصيفية شبه منعدمة، مردداً مخاوفه من السفر إلى ألمانيا التي انفجرت منها قنبلة جرثومة خضرة الخيار أو «الإي كولاي»، وبدرجة أقل في فرنسا وإسبانيا. أما عشاق الوجهة الآسيوية فلا يبدو أنهم أكثر تفاؤلاً، أمام استمرار الهزات الأرضية في اليابان وما تثيره من قلاقل بسبب التوجس من امتداد الإشعاعات النووية، حتى أن مطار الدوحة كان أخيراً محطة تنقل لمئات العائلات العربية الفارة من زلازل اليابان، نحو إلى بلدانها، ولو موقتاً. وأمام الإكراهات تلك، يجد الكثير من الشباب القطريين في المنتديات الإلكترونية متنفساً لهم ليصبوا انتقاداتهم وغضبهم ضد المسؤولين على قطاع السياحة الذين وجدوا أنفسهم في «فم البندقية» خلال السنوات الأخيرة، بسبب ارتفاع المطالب الملحة بضرورة ترقية الخدمات الترفيهية بالدوحة والمناطق المجاورة لأجل تشجيع السياحة الداخلية حتى إن بعض الشباب رفع شعار «الشعب يريد تمديد الإجازة الصيفية». وتبذل هيئة السياحة العامة جهدها لتنظيم فعاليات ترفيهية في المجمعات التجارية، وتشجيع أصحاب الفنادق والمنتجعات السياحية على تخفيض أسعارها خلال فصل الصيف لتشجيع السياحة الداخلية، وتنظيم مهرجانات وسهرات فنية في أماكن تراثية، أبرزها سوق واقف الشعبي، لكن الكثير من الشباب يبدون غير مقتنعين، ويرون أن بلادهم لا ينبغي أن تكون أقل تطوراً من دبي، ما دامت الإمكانات المالية متوافرة، بل وتضاهي ما لدى الجار. أما من لم يسعفه الحظ في السفر أو حتى قضاء إجازة في أحد فنادق الدوحة ومنتجعاتها فقد توجه الى الدورات التدريبية والمخيمات الصيفية التوعوية التي تنظمها الهيئة العامة للشباب وتغري روادها بالجوائز والشهادات. على الجانب الآخر، تظل الأراضي المقدسة بالمملكة العربية السعودية وجهة قوية ومفضلة للكثيرين، ولم يحدهم عنها حر الصيف أيضاً، وبخاصة الشباب المقيمين الذين يسارعون للحجز لأداء مناسك العمرة في رمضان. لكن هؤلاء أيضاً لم يسلموا من هاجس غلاء الأسعار، حيث أن تكلفة التأشيرات والسفر والحجز في الفنادق تصل الى مداها خلال شهر رمضان، والكثير من المقيمين يفضلون تأدية العمرة في الطريق إلى بلادهم، عزاؤهم أن التكلفة أهون بكثير، وفرصة أداء العمرة أو فريضة الحج للمقيمين من قطر أهون من الوقوف في طوابير وانتظار نتائج قرعة في بلدانهم، قد لا تفرز أسماؤهم فيها إلا بعد عمر مديد.