«لا يوجد بنزين»، عبارة تسمعها في عدد من محطات البنزين في الإمارات منذ أكثر من شهر، والمبرر المعلن هو «صيانة المضخات». غير أن السبب «غير المعلن»، في رأي مصادر من القطاع، هو «خسائر تتكبدها شركات التوزيع تقدر بنحو 4.5 مليون دولار يومياً، نتيجة الارتفاع القياسي لأسعار النفط ومشتقاته، في وقت تشكو شركات التوزيع من تحديد الحكومة السعر، بأقل من كلفته». وعلى رغم زيادات متكررة سمحت بها الحكومة الإماراتية خلال العامين الماضيين تجاوزت في مجملها 25 في المئة، فإن بعض مؤسسات التوزيع يحاول جاهداً منذ سنوات تحرير القطاع كلياً، لردم الفجوة بين الأسعار المحددة من الحكومة وتكاليف الصادرات. وتفاقمت الأزمة خلال الأسابيع الأخيرة، حين قررت شركات توزيع الوقود التوقف عن البيع في محطاتها في الإمارات الشمالية، نتج منه أزمة وقود حتى في محطات الشركات التي لم توقف عمليات البيع، بسبب الضغط عليها. وقال موظف في محطة لتوزيع الوقود (فضل عدم ذكر اسمه): «الشركات التي لم توقف مبيعتها لم تعد تتحمل الزيادة الهائلة في إقبال مختلف السيارات وازدحامها خلال الأيام الماضية، ما تسبب بنفاد مخزون يقدر بنحو 18 ألف ليتر من البنزين الخصوصي في غضون أربع إلى خمس ساعات فقط». وتصاعدت الأزمة بعد اغلاق دائرة التنمية الاقتصادية في إمارة الشارقة محطات إحدى الشركات في شكل تام، يشمل غسل المركبات وصيانتها، بعد منحها 72 ساعة للعدول عن قرارها وقف توزيع البنزين في محطاتها الذي استمر ستة أسابيع. وكانت أزمة نقص الوقود في محطات في الشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة، اندلعت منذ اكثر من شهر ونصف شهر مع توقف 82 محطة لمجموعة «اينوك» عن بيع البنزين، مع الاستمرار في بيع الديزل وتقديم الخدمات المساندة وبيع التجزئة المنتشرة في هذه المحطات. وكثفت «أدنوك» و «إمارات» إمداداتهما لتلبية الطلب المتزايد على البنزين في المحطات التابعة لهما في الإمارات الشمالية، عبر مضاعفة كميات البنزين التي تضخانها إلى المحطات التابعة لهما في هذه المناطق، لتعويض النقص من توقف محطات «اينوك»، ما سبب ازدحاماً في محطاتهما نتيجة تخوف السائقين من انقطاع البنزين في الإمارات، التي تعتبر ثالث أكبر بلد مصدر للنفط في العالم وتضخ 2.5 مليون برميل يومياً ويقدر استهلاكها من البنزين بنحو خمسة ملايين ليتر يومياً. ومع ذلك، تفتقر الإمارات إلى الطاقة التكريرية الكافية في مواجهة نمو سريع للطلب مع زيادة السكان، ما يضطرها إلى استيراد نحو مليون طن من البنزين سنوياً لتلبية الطلب المتزايد في السوق المحلية. وتدعم الإمارات بكثافة البنزين شأنها شأن سائر دول الخليج حيث تضع الحكومة الاتحادية سقفاً للأسعار، في وقت تستورد شركات التجزئة حاجاتها من الوقود من الأسواق العالمية. يذكر أن في الإمارات اربع شركات لتوزيع الوقود، هي «شركة بترول الإمارات الوطنية» (اينوك) المملوكة لحكومة دبي، و «شركة الإمارات للمنتجات البترولية» (ايبكو) و «شركة إمارات» ذات الملكية الاتحادية. والشركة الرابعة هي «بترول أبوظبي الوطنية» (أدنوك). وكانت «اينوك»، أعلنت منتصف العام الماضي، أن عليها تدبير 2.7 بليون درهم إضافية (735.3 مليون دولار) خلال العام الجاري، لتغطية نفقات دعم للوقود. وأشارت إلى أنها دفعت العام الماضي 1.5 بليون درهم. ورفعت الحكومة سعر البنزين 26 في المئة منذ نيسان (أبريل) 2010 في محاولة لتقليص الدعم، لكنها، في رأي خبراء السوق، تحاول جاهدة الحفاظ على معدلات التضخم في الحدود الدنيا، لا سيما أنها بدأت منذ منتصف العام الماضي الخروج تدريجاً من تداعيات أزمة المال العالمية، وأن سعر الوقود في الإمارات يعتبر الأعلى خليجياً.