2034 العالم يتجه نحو السعودية    مونديال ( 2034 ) السعودي    ضبط 20159 مخالفاً خلال أسبوع وترحيل 9461    مدرب المنتخب السعودي: لن نشارك في خليجي 26 بهدف التجربة    ضيوف الملك من "البوسنة": مواقف المملكة مشهودة    أمريكا تنجو من كارثة «شلل» الحكومة الفيدرالية    القبض على مقيم بالطائف لترويجه مادة "الشبو"    من هو مرتكب حادثة الدهس في ألمانيا ؟    ارتفاع سعر الروبل أمام العملات الرئيسية حتى 23 ديسمبر الجاري    أمطار خفيفة على جازان وعسير والباحة    انطلاق مؤتمر جمعية "علوم المختبرات" في الرياض .. غدا    المملكة ومصر .. شراكة استراتيجية تضخ استثمارات ب15 مليار دولار    المملكة تدين حادثة الدهس التي وقعت في ألمانيا    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    حضور ثقافي كبير في أول أيام ملتقى القراءة الدولي بالرياض    وزير الطاقة يرعى الحفل الختامي لجائزة كابسارك للغة العربية    رابطة العالم الإسلامي ترحّب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن التزامات إسرائيل المتعلقة بأنشطة الأمم المتحدة والدول الأخرى لصالح الفلسطينيين    تاليسكا يؤكد اقتراب رحيله عن النصر    اليوم ليلة الحسم في المملكة أرينا: ومواجهة أوسيك وفيوري لتوحيد ألقاب الوزن الثقيل    230 فارساً وفارسة يتنافسون على كأس التحدّي للقدرة والتحمل في الرياض    القوات الخاصة للأمن البيئي تواصل استقبال زوار معرض (واحة الأمن)    "الهجّانة" والمركبات الكهربائية.. التاريخ والمستقبل    البرنامج الثقافي لمعرض جدة للكتاب يسلط الضوء على علاقة الفن بالفلسفة    سينما الخيال العلمي في العالم العربي.. فرص وتحديات في معرض الكتاب    «الجوهرة».. أيقونة رياضية بمعايير عالمية تحت الأضواء في «كتاب جدة»    شولتس يعرب عن مواساته وتعاطفه مع ضحايا الهجوم في ماغديبورغ    الأمم المتحدة: الأزمة الإنسانية في السودان «غير مسبوقة»    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    ضبط يمنيين في عسير لترويجهما (64) كجم "حشيش"    ضيوف الملك من "الجبل الأسود" يشيدون بجهود المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين    توقيع مذكرة تعاون بين النيابة العامة السعودية والأردنية لتعزيز مكافحة الجريمة والإرهاب    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    نائب رئيس نيجيريا يغادر جدة    الشؤون الإسلامية بجازان تنفذ ورشة عمل بمحافظة صبيا    مدير عام الشؤون الإسلامية في جازان يتفقد مسجد العباسة الأثري بمحافظة أبي عريش    %20 من المستثمرين شاركوا في الاكتتابات العامة بالمملكة    وزارة التعليم تنظم ورشة عمل "المواءمة مع التغيير والتحول في قطاع الخدمات المشتركة" في جازان    تعرف على قائمة المتوجين بلقب كأس الخليج    إمام الحرم المكي: الرسل بعثوا دعاة إلى الخير وهداة للبشر    الدفاع المدني السوري: «تماس كهربائي» أشعل نيران «ملعب حلب»    البدء بأعمال صيانة جسر تقاطع طريق الأمير نايف مع شارع الملك خالد بالدمام ... غدا السبت    لسرعة الفصل في النزاعات الطبية.. وزير العدل يوجه بتدشين مقر دوائر دعاوى الأخطاء المهنية الصحية    5 إستراتيجيات لإنهاء حرب روسيا وأوكرانيا    دروس قيادية من الرجل الذي سقى الكلب    الحصبة.. فايروس الصغار والكبار    مدربون يصيبون اللاعبين    تقطير البول .. حقيقة أم وهم !    «سكن».. خيرٌ مستدام    السعوديون في هيثرو!    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء ينقذ مراجعاً عانى من انسداد الشرايين التاجية    أدوية إنقاص الوزن قد تساعد في القضاء على السمنة لكن مخاطرها لا تزال قائمة    انفراد العربيّة عن غيرها من لغاتٍ حيّة    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    التجارة تضبط 6 أطنان مواد غذائية منتهية الصلاحية بمستودع في جدة    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسترالي    د. هلا التويجري خلال الحوار السعودي- الأوروبي: المملكة عززت حقوق الإنسان تجسيداً لرؤيتها 2030    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة والجامع
نشر في الحياة يوم 27 - 06 - 2011

أدى الجامع في تاريخ العرب «الإسلامي» أدواراً اجتماعية وسياسية وثقافية مختلفة، وهو مكان ليس فقط للعبادة والتواصل مع الله، بل للتواصل أيضاً بين البشر. وما يجري بداخله عادة، ليس نقلاً لكلام الله في كتابه المبين فحسب، وإنما نقلاً لأفكار الخطباء وعلماء المسلمين حول الوجود وأحواله السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ويعود الدور البارز الذي تبوأه الجامع في الحياة العربية المعاصرة إلى أن السلطة المستبدة لم تترك مكاناً للتجمع الكيفي الحرّ إلا وأغلقته أو منعته، باستثناء الجامع، المكان الوحيد الذي لم يكن بإمكانها إغلاقه في وجه الناس أو منعهم من التجمع فيه، فبعد أن أفرغت البلاد من الحياة السياسية والنشاط السياسي بالقضاء على جميع الأحزاب التي تتعارض مع توجهاتها، وإلحاق الباقي تحت سقف الحزب الواحد، وأفرغت المجتمع المدني من مضمونه الحقيقي عندما جعلت النقابات والمؤسسات والمنظمات والهيئات المدنية معدومة الاستقلال، وتركتها مكاناً للفساد والاستزلام والمحسوبية والولاءات الكاذبة، بحيث لا تمثل سوى صوت واحد هو صوت السلطة ذاتها بحزبها القائد، ولا تتبع بالجملة سوى لأجهزة الأمن وليس لغيرها. إذاً بعد كل ذلك، وفي غياب المجتمع السياسي والمجتمع المدني، من سيبقى حاضراً بقوة ليملأ الفراغ؟ إنها «مؤسسات» المجتمع الأهلي (جوامع، كنائس، مقامات، جمعيات خيرية وغيرها) و «منظماته» رأسية البنية والتكوين (عشائر، قبائل، طوائف... وغيرها).
ولكن، ولمكر التاريخ، فإن الجامع في عصر الثورة انقلب ضد أدواره الموكلة إليه، كأداة تساعد السلطة في شكل مباشر أو غير مباشر على تعليم الطاعة والخضوع، من جهة أولى، وكمكان لا يحتمل الانقلاب ضد ذاته وتجاوز هرميته الدينية والرمزية المعهودة، من جهة أخرى. وهذا الوضع الأخير يستحق الوقوف عنده لأسباب عدة:
أولاً: أحدثت الثورة شكلاً من الخلخلة ضمن البنية الإسلامية التقليدية، وأسقطت رموزاً ومرجعيات دينية لها وزنها المعنوي والاجتماعي وأحياناً السياسي، وبات كلام الشيخ أو المفتي أو الفقيه لا يجد مكانه بين الشباب الثائر إلا إذا تناغم مع متطلباتهم السلمية والواقعية بالحرية والكرامة وقهر الظلم والاستبداد، وبالتالي بدأ المقدس يلبس ثوب الحياة وينطق باسم إرادتها، ليصبح خادماً للحياة وليس سيداً عليها، كما أن كلمة «الله أكبر» لم تعد حشداً لحرب مقدسة بقدر ما هي دعوة لفعل مدني هو التظاهر السلمي.
ثانياً: باتت طقوس الصلاة تبدو كطقوس احتفال جماعي مملوءة بالعزيمة والتآزر وقوة الإرادة، أكثر من كونها طقوساً للتسليم والخضوع ونكران الذات ونسيان الوجود.
ثالثاً: بدأت التجربة تثبت، لا سيما في البلدان التي أنجزت ثوراتها، ومصر أنموذج، أن ذلك البعبع الإسلامي الذي أرعبنا منه الغرب وبادله حكامنا الرعب بإرعاب مقابل، تخويفاً من استلامه زمام السلطة، ليس بتلك الصورة التي أرادوا أن يظهروه بها (وكأن تحت عباءة كل مسلم هناك حزام ناسف)، وليس أصولياً بالماهية على الطريقة التي صوروه بها، بل هو معتدل، على العموم، بحكم الواقع وطبيعة الحياة، كما أنه قادر على التغير والتطور، على الأقل أكثر من حكامه، فحركة دينية سياسية بحجم وتاريخ حركة الإخوان المسلمين في مصر، على سبيل المثال، لم تجد لها مكاناً واسعاً ضمن الثورة وبقيت خلف حركة الشباب الذي بات من الواضح كم هو مضاد للأيديولوجيات القديمة والضيقة والمغلقة، وكم أن ثورته هي «ثورة بلا أيديولوجيا» إن صح التعبير.
وعلى ذكر الايديولوجيا لا بد من التطرق الى رأي أيديولوجيٍ مغلفٍ بغلاف الشعر، صدر عن واحد من كبار الشعراء العرب الأحياء اليوم، حيث احتفل أدونيس صاحب «الثابت والمتحول» بثورة الخميني قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وبفضل العماء الأيديولوجي، كان الأهم بالنسبة للشاعر وقتها هو الثورة ضد الاستبداد وليس مهماً من الذي يقوم بالثورة حتى لو كان هذا الأخير هو وكيل المهدي المنتظر. أما اليوم، وبموقف أيديولوجي معكوس، يعلن الشاعر أنه ضد الثورة التي تخرج من جامع، أي لم تعد الثورة ضد الحاكم المستبد هي الأهم، بل من الذي يقوم بالثورة ضده، مع أنه كان من الأجدر برأينا أن يضع الشاعر الموقف الأول مكان الثاني والثاني مكان الأول لربما أصبح الموقف أكثر صواباً.
طبعاً ينسى الشاعر أو يتناسى في موقفه الأخير أننا لا نعيش في أوروبا المعاصرة، حيث يعيش، والتي انتهت فيها عصور الثورات بعد أن كانت قد ابتدأت ثوراتها قبل ثلاثة قرون بالصوت الكنسي لمارتن لوثر، ولا نعيش في اليونان القديمة حيث الكلمة هي للساحة «الأغورا» في مواجهة القصر، وأنه عندنا، ويا للأسف، لا الساحة هي ساحة ولا القصر هو القصر. وينسى أيضاً أن الثورة التي بدأت من الجامع تحلم بالساحة وليس بالجنة، بل هي إيذان حقيقي بولادة الساحة في بلادنا.
ونحن لا نعرف أيضاً من الذي تكلم بلسان الشاعر في كلا الموقفين المشار إليهما آنفاً، هل هو «ثابت» اللاوعي المتمركز في باطن النفس واللاشعور، أم هو «متحول» الوعي الذي لا يعي تحولات الوعي، والواقع وتحولات المنطقة على أهميتها. وعندما يصف الشاعر الحركة الاحتجاجية التي تحدث في بلاده بأنها تمرد وليس ثورة، فهو ينسى أو يتناسى، أن الفرنسيين الذين يقيم في بلادهم كانوا قد ميزوا، ومنذ عصر لويس السادس عشر، بين الثورة والتمرد بأن التمرد جزئي ويمكن السيطرة عليه أما الثورة فكلية وشاملة ولا يمكن السيطرة عليها.
إن روح الشباب التي تعم الثورة تضفي على شموليتها طابعاً تفكيكياً، إن صحت استعارة المصطلح، فهي تفكك وتهدم وتقوض البنى التقليدية القارة في سكونها السياسي وانغلاقها الديني لتبني لنفسها عالماً مفعماً بالحيوية يرفض الثبات والأبدية عنوانه التغيير.
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.