مارست إدارة بوش الابن تعذيبَ المعتقلين في غوانتانامو بإيهام المعتقل أنه سيغرق تحت الماء، وعندما كانت تحتاج الى تعذيب أشد للحصول على معلومات، كانت ترسل المعتقلين الى بلادهم ليمارس «حماة الوطن» بحق مواطن وسائل تعذيب تَرَفَّعَ عنها اعداء العرب والمسلمين. ولا أزال حتى اليوم أقرأ في أخبار الجرائم العادية، ان المتهم «اعترف ومثّل جريمته»، ما يعني انه عُذِّب حتى اعترف، وهو ربما اعترف بما لم يرتكب لينجو من التعذيب. كل من مات تحت التعذيب ضحية وشهيد، حتى لو كان لصاً عادياً، لان عمله جنحة لا يعقاب عليها بالقتل. اليوم عندنا جيل جديد من الضحايا الشهداء الرموز، وقد شق التونسي محمد البوعزيزي الطريق، فأحرق نفسه في 17/12/2010 عندما صادرت موظفة في البلدية بضاعته وأهانته، وتوفي متأثراً بجروحه في 4/1/2011، وترك الرئيس زين العابدين بن علي تونس في 14/1/2011 بعد ثورة شعبية وتخلِّي الجيش عنه. وانفجرت ثورة الغضب في مصر في 25/1/2011، وسقط الرئيس مبارك في 11 من الشهر التالي واشتعلت الثورات في الوطن كله. قبل البوعزيزي، كانت مصر اهتزت لموت الشاب خالد سعيد في حزيران (يونيو) من السنة الماضية، بعد ان احتجزه اثنان من المخبرين في الإسكندرية وضرباه بوحشية أمام شهود رأوهما يحطمان رأسه على بوابة من الحديد. وزعمت الشرطة في وقت لاحق انه توفي بعد ان ابتلع لفة مخدرات (بانجو) حتى لا تضبط بحوزته. ربما كان موت خالد سعيد وأحداث تونس الشرارةَ التي أَطلقت ثورة الشباب بعد ستة اشهر، أو هي تلك القشة الخرافية التي قصمت صبر شعب اشتهر بأنه صبور. وأسفرت ثورة الغضب عن سقوط مئات الشهداء، من ميدان التحرير وسالي زهران، الى بور سعيد ومحمد راشد، وكل مكان. في سورية قُتل الطفل حمزة الخطيب برصاصة من قوات الامن في درعا، وظهرت على جسمه آثار تعذيب في صور بثتها شبكات تلفزيون خارجية ومواقع إلكترونية، الا ان الطبيب الشرعي أصرّ على أنه لم يعذَّب، وأن الآثار على جسده سببها تخثّر الجثة. وكانت هناك ايضاً صور مماثلة لولد عمره 15 سنة هو ثامر الشرعي، الذي قتل في تبادل رصاص مع قوات الامن، وظهرت على جثته آثار تعذيب فظيع. أسجّل اسماء افراد من الشهداء لأنهم رموز، والامة كلها شهيدة، من العراق الى المغرب الاقصى، مروراً بلبنان واليمن وليبيا وغيرها. كنت في سن المراهقة في لبنان عندما اغتيل الصحافي نسيب المتني وأطلق ثورة صيف 1958، وجاءت سنة 1975، وأَطلق شهداء باص عين الرمانة حرباً اهلية استمرت حتى 1990. وحدث سنة 1958 انقلاب عسكري في العراق أدى الى استشهاد اعضاء الاسرة المالكة جميعاً. في غضون ذلك كان الفلسطينيون يقدمون الشهداء كل يوم، ولعل الرمز هو الطفل محمد الدرة، الذي قتل في بداية الانتفاضة الثانية في 30/9/2000، وهو في حضن أبيه، وصورت عدسة التلفزيون الاب جمال وهو يحاول حماية ابنه بجسده، وارتكبت اسرائيل جريمة ثانية بإنكار قتل الطفل، رغم التلفزيون والشهود، وبين هؤلاء صحافيون أجانب. من هو الشهيد الفلسطيني اليوم؟ من هو غداً؟ اقرأوا الجرائد او تابعوا التلفزيون. العراق، بعد الاحتلال الاميركي المجرم سنة 2003، فاق الجميع، وقدَّم مليون شهيد، ولا يزال يقدم الشهداء. ولم يكن القتل كله بأيدي القوات الغازية، وإنما نافسها الارهابيون المحليون والمستوردون في قتل ابناء البلد. وأختار رمزاً لشهداء العراق، الصحافية الشابة أطوار بهجت من تلفزيون «العربية»، التي اغتيلت مع طاقم العمل في 22/2/2006، وصرخت تطلب من الناس حولها ان ينقذوها فلم يساعدها احد (في ايران عندهم الشهيدة ندا آغا سلطاني). أين عراق الشهامة والكرامة والنشامى؟ قتله لصوص الحكم والإرهابيون. أزعم ان كل مواطن عربي في كل بلد شهيدٌ حتى ينال حقوقه كإنسان كاملةً. المواطن العربي شهيدٌ حي. [email protected]