الأفكار الجاهلة بكل سلبياتها ما زالت تعشش في عقول الكثير من فئات مجتمعنا المحلي، لا فرق فيها بين رجل وامرأة وبين متعلم وأمي، بل = بعض الأميين من أسلافنا أكثر ثقافة، وتحضراً، وانفتاحاً، ممن يدعون الثقافة والمعرفة في عصرنا الحاضر، وهذا نراه في صور كثيرة من مظاهر واقعنا الذي نعيشه، والشواهد في ذالك كثيرة؛ فتسفيه الآراء المخالفة سمة بارزة لأصحاب الفكر الأحادي المرتكز على فرض رأيه، ليس بقوة الحجة والحوار بل بالتهديد، والشتم، والتفسيق، والتخوين، وترى هذا جلياً في تعليقات المتصفحين لموضوعات الكتبة من الجنسين في الصحف ومن خلال الإنترنت، فإن وافق الرأي هواهم فأنت الوطني الغيور، وأنت القبلي الأصيل، وأنت المسلم الحق، وإن خالف الرأي هواهم، فأنت الفاجر، وأنت العلماني، وأنت المحرض على الفسوق، وهؤلاء لا يختلفون في فكرهم عن فكر الشاعر الجاهلي عمرو ابن كلثوم الذي يقول: ألا لا يجهلن أحد علينا/فنجهل فوق جهل الجاهلينا. هل تغير الفكر باحترام الرأي والرأي الآخر؟ أم تمادى في تكريس الجهل بفكر أجهل ينصب على شخص صاحب الرأي بعيداً عن أدوات الحوار المتحضر المترفع عن تجريح الآخرين وتحقيرهم؟ أما التفاخر بالنفس والتعصب لها، وللمذهب، وللقبيلة، فقد بلغنا فيه شأواً لا يفرق كثيراً عن الجاهلية، والمتصفح لمواقع الإنترنت يلحظ هذا في موضوعات كثيرة ملغومة بلكنة الفخر، تلميحاً وتصريحاً، وهؤلاء يعودون بنا إلى ذكرى قوم جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يفخرون بأنفسهم وطول قاماتهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لشاعره حسان بن ثابت أجبهم، فقال بيته المشهور: لا بأس بالقوم من طول ومن عظم/ جسم البغال وأحلام العصافير. إنه الجهل الكبير، والفكر المريض الذي عرف الرسول عليه الصلاة والسلام كيف يتعامل معه وهو يعرف أن الشعر في ذلك الوقت قناة إعلامية تصل سريعاً إلى مسامع القبائل، فأرسل لهم ذلك البيت ليخجلوا من التفاخر بأنفسهم، ترى هل اندثر فكر التفاخر هذا من مجتمعنا أم ما زالت لغته تمطر على رؤوسنا؟ ولنقس على ذالك «المتمظهرين» بمظاهر الدن دون العمل بروحه، وجوهره، ومبادئه، والاهتمام بحف الشوارب وإعفاء اللحية، حتى بلغنا فيها مبلغاً يخرج غير الملتزمين بذلك من السنّة على ألسنة الوعاظ، والدعاة، وبعض من يسمون أنفسهم بالعلماء، ومن حذا حذوهم من الغلاة والمتطرفين، ولو حسبنا الفارق بين عصرنا وعصر المتنبي لوجدنا فكره أي فكر عصر المتنبي حاضرا بيننا في قوله: أغايةُ الدين أن تُحفوا شواربكم/يا أمة ضحكت من جهلها الأمم. ألا نقول: ما أشبه الليلة بالبارحة؟ أليس من العجب أن نقرأ أسبوعياً كاتبة أكاديمية تنتقد موافقة المملكة على توقيع قانون «عدم التمييز ضد المرأة» وتصر وتنافح من أجل فرض الوصاية عليها، تماماً مثل أولئك النسوة اللاتي وقّعن عريضة من أجل منع المرأة من قيادة السيارة، مدعيات أنهن ملكات في وضعهن غير عابئات بغيرهن ممن يتجرعن مرارة الاحتياج لخدمة أنفسهن، وكأن النساء فوضنهن بالوصاية عليهن، فإن كن هن لا يردن ذلك فلا يفرضن رؤيتهن على الأخريات، وإن كن متوجات برفاهيتهن فالأخريات أيضاً لسن جواري لفكرهن، كذلك أصحاب حملة العقال ضد النساء المطالبات بقيادة السيارة، هل بنات الناس مشاع لسلطتهم، أو مطية لاستعبادهم؟ أم هم ممن ينطبق عليهم قول المتنبي: ومن البلية عذل من لا يرعوي/عن جهله وخطاب من لا يفهم ... هل تغير الفكر؟ [email protected]