بعد حوالى شهرين من توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة بين حركتي «حماس» و «فتح»، لا يزال المشهد الفلسطيني تحت تأثير استمرار فترة الانقسام السابقة، إذ أصبح بإمكاننا القول إن المصالحة وقعت من ناحية نظرية دونما انعكاسات جلية على أرض الواقع، ولعل ذلك سبّب نوعاً من الخوف والريبة لدى عموم الشعب الفلسطيني من إمكانية عدم رأب الصدع والنهوض بالقضية الفلسطينية من خلال العمل المشترك. وليس من ترف القول إن الانقسام ما زال مخيماً على الصعيد السياسي والإعلامي والإداري والأمني والاجتماعي. فعلى الصعيد السياسي ما زال الشرخ السياسي بين المشروعين واسعاً رغم المحاولات المبذولة، وما زالت سياسة الانفراد بالقرار سائدة فقد وافقت السلطة الفلسطينية عبر رئيس طاقم مفاوضاتها «المستقيل» صائب عريقات على المبادرة الفرنسية التي تسعى الى الدخول مرة أخرى في نفق التفاوض، وكانت هذه الموافقة السريعة من دون الرجوع إلى الفصائل الفلسطينية التي وقعت اتفاقاً من أجل الشراكة السياسية، إلا أن المشروع مُنِيَ في ما يبدو بالفشل في مهده بسبب رفض إسرائيل والولايات المتحدة المشروع، ومن مظاهر الانقسام السياسي التي قد تخفى على البعض عدم دعوة عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي أو أي من نواب التغيير والإصلاح في الضفة الغربية لاستقبال أيٍّ من الوفود الزائرة لرام الله، ومنطق الأشياء يحتم الدعوة من باب إظهار الموقف الموحد وتسويق المصالحة الفلسطينية للعالم، ولكن من المظاهر الأكثر وضوحاً على استمرار الانقسام السياسي موضوع تشكيل الحكومة، فقد ضاع الشعب الفلسطيني في تفاصيل عدم الاتفاق على تسمية رئيس الوزراء وكذلك على الخلاف على شخصية سلام فياض، فبين رفض «حماس» المطلق له وبين الاختلاف عليه داخل الأطر التنظيمية لحركة فتح إضافة إلى تمسك الرئيس عباس به كخيار أوحد، ربما ان الإصرار عليه لا يخرج عن وضع العصي في دواليب المصالحة. على الصعيد الإعلامي لا زالت المساحات الإعلامية تشهد تراشقاً إعلامياً يعيدنا إلى ما قبل التوقيع , وربما الخلاف السياسي أصر على أن يطلّ برأسه على الساحة الإعلامية , فقد قال الرئيس عباس:» إن الحكومة القادمة حكومتي وهي تمثل برنامجي السياسي» وردت حماس سريعاً عبر الدكتورمحمود الزهار الذي قال :إن الحكومة هي حكومة التوافق الفلسطيني وقد لا تحمل برنامجاً سياسياً لأنها حكومة مهمات محددة. ولا يخفى على الجميع استمرار التراشق الإعلامي في موضوع الممارسات اليومية على أرض الواقع من قبل الحكومتين بين الاعتقال والاستدعاء ومنع المهرجانات. أما على الصعيد الإداري فما زال شبح الفصل الوظيفي مخيماً فحتى الآن لم يعد المفصولون إلى عملهم إضافة إلى حالات فصل تعسفي سجلت في نابلس وجنين على أساس الانتماء السياسي وعدم موافقة «الجهات المختصة»، ويسجل في هذا المضمار عدم عودة المؤسسات الخيرية والاجتماعية علاوة على التنظيمية للعمل، ولا ننسى أن المجلس التشريعي ما زال موصد الأبواب أمام أعضائه من دون مبرر. أما بخصوص الوضع الأمني فقد استمر على حاله ولم يطرأ عليه تغيير جذري فعلى رغم خفة حدة الاعتقالات السياسية إلا أنها ما زالت مستمرة، فقد سجلت عدة حالات اعتقال سياسي في الضفة الغربية وكذلك استمر مسلسل الاستدعاءات اليومية، وقد حاول بعض الشباب مواجهة هذا الخرق في المصالحة برفضهم الذهاب إلى الاستدعاءات إلا أنهم اعتقلوا وقدموا إلى المحاكمة، مع التذكير أن حركة فتح اتهمت «حماس» بمنع مهرجانات واستدعاء بعض النشطاء، أما قضية المعتقلين السياسيين فما زالت تراوح مكانها على رغم أن المنطق يقول إن ذريعة الاعتقال سقطت مع توقيع المصالحة. إن استمرار هذه الممارسات تدق ناقوس الخطر من احتمال انهيار اتفاق المصالحة. ليس الهدف مما سبق إظهار ظلمة المشهد، ولكن وضع تصور وصفي للوضع القائم منذ توقيع الاتفاق، حتى نرى الأهمية القصوى لتضافر الجهود من قبل الفصيلين ومن قبل الأطراف الراعية وعلى رأسها مصر وتركيا وكذلك على كل من حضر وصفق في كرنفال توقيع المصالحة، فالعمل العمل والجهد الجهد من أجل فلسطين التي تتسع للجميع.