حققت الجولة الحوارية الخامسة والأخيرة التي عقدت في القاهرة في 28/5/2009 بين حركتي فتح وحماس تقدماً ملموساً، بعد أن تم انجاز قضايا هامة على طريق إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. حيث أنجز نظرياً على الأقل ملف المصالحة الوطنية من قبل اللجنة المعنية التي عالجت العناوين المتعلقة بموضوع المصالحة، كما أنجزت خطوات ملموسة بالنسبة لملف منظمة التحرير الفلسطينية وآلية انتخاب مؤسساتها. ومع هذا، فان حراكات الحوار، وكما تؤكد العديد من الشخصيات التي شاركت في أعماله، أوصلت لتفاهمات جيدة على صعيد ملفي الانتخابات (التشريعية والرئاسية) ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهما الملفان الأكثر تعقيداً من بين الملفات المطروحة على طاولة الحوار. كما تم انجاز تقدم ملموس ولكن بحدود معينة في ملف إصلاح وإعادة بناء الأجهزة الأمنية، ورحل الموضوع لاستكمال الآليات التفصيلية حوله بعد تشكيل حكومة توافق وطني من كافة الفصائل، بعد أن قدم كل طرف تصوراً هو عبارة عن مبادئ عمل للأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبشكل عام، فان حوارات ونتائج الجولة الخامسة، وضعت الطرفين المتحاورين من حركتي حماس وفتح على مسافة قريبة من التوصل إلى اتفاق شامل، خصوصاً بعد أن تم عملياً تحديد وحصر الإشكالات التي تعيق التوصل إلى اتفاق نهائي وشامل، وبعد أن تم طرح أفكار وحلول على الطرفين من قبل الطرف المصري كمخرج لمعالجة هذه الإشكالات، لبلورة نهائية للأفكار المطروحة من أجل إنجاز اتفاق مصالحة شاملة. إلا أن التطورات السلبية التي تلاحقت في الأراضي المحتلة أحالت التفاؤل إلى تشاؤم، وجعلت من التوصل لإبرام اتفاق أمراً بعيد المنال في حال استمرت على ماهي عليه، وتحديداً بعد حادثتي قلقيلية وسقوط عدد من الضحايا من أبناء الشعب الفلسطيني، وما تلاها من وقوع حادثة تالية تسببت في وفاة المعتقل السياسي هيثم عبد الله عمرو (33 عاما) في الضفة الغربية، وهو عضو في الهيئة الإدارية بالجمعية الخيرية الإسلامية. إضافة لتكرار حالات الاعتقال السياسي واستمرارها من دون توقف، حيث عبرت الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان عن "قلقها من تكرار حالات الاحتجاز من قبل الأجهزة الأمنية على ذمة القضاء العسكري، وتلقيها عشرات الشكاوى بشأن تعرض أصحابها للتعذيب وسوء المعاملة، وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق محايدة ونشر نتائج التحقيق على الملأ". كما كانت منظمات حقوقية فلسطينية قد طالبت السلطة الفلسطينية بالتحقيق في حادث وفاة المواطن الفلسطيني هيثم عمرو، واتخاذ إجراءات قانونية بحق الضالعين فيها. ومهما تكن حيثيات ما حصل، إلا أن النتيجة القطعية كانت تشير الى أن ما حصل أثر تأثيراً سلبياً وكبيراً على مسار العملية الحوارية التي كان من المتوقع لها أن تحقق انطلاقة ايجابية لاستكمال ما تحقق في الجولة الخامسة. فسادت مناخات رمادية تم في ظلها استبعاد أن يتم تحقيق اختراق يؤدي إلى اتفاق ينهي حالة الانقسام الداخلي في الجولة السادسة القادمة والمتوقعة. ومن هنا، فان القاهرة التي تحسست الأجواء السلبية الأخيرة التي خيمت على الساحة الفلسطينية بعد تكرار الحوادث المؤسفة، ومنها ما حصل في قلقيلية على إمكانية العودة لطاولة الحوار، أقدمت على القيام بخطوة استباقية وبادرت على الفور لاحتواء الموقف، والعمل على تطويق التوتر، فوجهت دعوة مباشرة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل لزيارة القاهرة هي الأولى منذ فترة لا بأس بها بعد أن مرت العلاقات الحمساوية مع القاهرة بتأزمات معينة، وهو أمر له دلالاته القطعية بعد أن بان للقاهرة بأن تعقيدات الملف الفلسطيني باتت في دائرة اللاحلول بعد تتالي الأحداث المؤسفة واستمرار عمليات الاعتقال السياسي. وسبق ذلك وصول وفود من حركة فتح للقاهرة للغرض ذاته. وفي هذا الصدد، تشير مصادر فلسطينية متابعة، بأن زيارة مشعل ومحادثاته في القاهرة، كانت بشكل عام بناءة وايجابية، خصوصاً مع تقدير المصريين بأن ماجرى في قلقيلية يعيق الوصول للمصالحة الحقيقية. وانطلاقاً من المعطى إياه فقد تم الاتفاق بين خالد مشعل والمصريين كما تشير العديد من المصادر على اتخاذ خطوات في هذا الشأن مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين. ومن بين الخطوات التي تم اتخاذها أيضاً تشكيل لجنتين في رام اللهوغزة للبحث في ملفات الاعتقال السياسي، بحيث لا يكون عمل هاتين اللجنتين بديلاً بأي حال من الأحوال عن اجتماعات وحوارات القاهرة المركزية، بل تحددت مهام اللجنتين فعلياً بتطويق المشاكل ومتابعتها ولكن ليس حسمها بشكل نهائي، لأن عملية الحسم تبقى في نهاية المطاف في إطار اتفاق المصالحة الشاملة. وبناء عليه، اجتمعت لجنتا رام الله (من حركة حماس: عمر عبد الرازق، محمد زيدان. ومن حركة فتح :عزام الأحمد، محمود العالول) وغزة (من حركة حماس: جمال أبو هاشم، إسماعيل الأشقر، وأيمن طه. ومن حركة فتح: إبراهيم أبو النجا، عبدالله أبو سمهدانه، النائب أشرف جمعة) في وقت متزامن بحضور وفود قيادية محلية من حركتي حماس وفتح برعاية مصرية تمثلت بشخص قنصل مصر في رام الله هيثم الشربتلي، فتم نقاش العديد من القضايا العالقة، وتركز البحث أيضاً على تهدئة الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومسألة الاعتقالات السياسية والحريات العامة والمطاردات وإغلاق المؤسسات، في جولة يمكن أن يطلق عليها بالجولة الأولى الاستطلاعية، للسير نحو اتفاق على جدول أعمال لكيفية البدء في حل قضايا الاعتقال السياسي وضرورة إطلاق سراح المعتقلين وتوقيف ملاحقة أي من أفراد قوى المقاومة، وصولاً لإقرار المصالحة العامة. في هذا الإطار تشير المعلومات التي نشرتها حركة حماس "أن الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية ما زالت تحتجز إلى الآن 650 من أعضائها ومناصريها. فيما قال عمر عبد الرازق الذي ترأس وفد حماس في رام الله "اتفقنا في هذه اللجنة أن نستمر حتى إنهاء ملف الاعتقال السياسي وهناك في الأيام القادمة بوادر حسن نية من الطرفين اتفقنا على محاولة القيام بها لاحقاً لمعالجة قضايا الاعتقال السياسي". وأضاف بأن وفد حركة حماس مخول تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه فوراً. ومع هذا وللأسف، فان اجتماع أعضاء لجنتي المصالحة في رام اللهوغزة "لم يحدث اختراقا" بالرغم من المناخات الايجابية التي سادت أعمال اللجنتين على صعيد تهيئة الأجواء للمصالحة ووقف الاعتقالات السياسية، إلى أن جاءت وفاة المعتقل السياسي هيثم عمرو بعيد أيام من اجتماع اللجنتين لتعيد الأمور إلى نقطة الصفر. وكانت القاهرة قد قدمت لعموم الفصائل الفلسطينية في الجولة الخامسة اقتراحاً بتشكيل "اللجنة المشتركة الخاصة بتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني ومرجعيتها وإطارها القانوني"، إلا أن حركتي حماس وفتح سجلتا تحفظات عديدة على نصوص الورقة المصرية. فقد رفضت حركة حماس "كليا" تشكيل لجنة مشتركة تكون "تحت مظلة" الرئيس محمود عباس. وأوضحت أن وفدها للحوار قدم اقتراحات بديلة تقوم على ضرورة أن تكون اللجنة "إطارا قيادياً يتابع تنفيذ نتائج الحوار وإعادة الاعمار وكل القضايا الوطنية. كما رفضتها العديد من الفصائل بما فيها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت قد أعلنت في اجتماع عام لها في رام الله، بعد تسلمها للورقة المصرية، رفضها للمقترح إياه، متوجسة من إمكانية أن تصبح اللجنة المشتركة التي تدعو إليها الورقة المصرية، بمثابة مرجعية جديدة على حساب المرجعية الأم المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية. وبناء على الموقف المتحفظ أو الرافض من مختلف الفصائل للورقة المصرية المقدمة في الجولة الخامسة، عادت القاهرة وقدمت هذه المرة مقترحا أخر تبلور باتجاه تشكيل لجنة فصائلية ودخول قوات عربية إلى قطاع غزة من مصر والسعودية والإمارات والمغرب لمساعدة القوات الفلسطينية المشتركة في المحافظة على النظام حتى إجراء هذه الانتخابات وخلالها كما أشارت العديد من المصادر السياسية في القاهرة. واللجنة الفصائلية المقترحة مصرياً هي لجنة مشتركة مؤلفة من 12 عضواً يمثلون كافة القوى الفلسطينية وتكون تحت إشراف غير مباشر لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وحسب المصادر المصرية فان عمل اللجنة "يقتصر على قطاع غزة، حيث يفترض أن تتولى اللجنة مسؤولية إعادة إعمار غزة، ودفع الإصلاحات الحكومية والتحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية في عام 2010"، الأمر الذي تعارضه حركة حماس حيث تطالب بحل توافقي يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة. فيما رفض وفد حركة فتح الاقتراح المصري المتعلق بتشكيل لجنة فصائلية يكون دورها التنسيق بين رام اللهوغزة. ويتوقع أن يلاقي الاقتراح المصري الأخير مصير الاقتراح الذي سبقه بالرغم من تهديدات المصادر المصرية بان القاهرة ستفرض الرؤية التي تراها في حال فشلت حركتا حماس وفتح بالتوافق معاً على اتفاق للمصالحة. وفي مسار الجهود التي تبذلها مصر للوصول إلى اتفاق المصالح الشاملة، يتوقع أن يعقد لقاء ثنائي بين حركتي فتح وحماس في السابع والعشرين من حزيران/يونيو. كما يتوقع أن تلتئم اللجان الخمس للحوار الوطني الفلسطيني لغرض إنهاء القضايا المتبقية وإنهاء الصياغات النهائية بما يخص المسائل التي بحثت بها. وذلك قبيل الموعد المحدد للجولة السادسة في السابع من تموز/يوليو لوضع الترتيبات النهائية التوافقية على المسائل الثلاث المشار إليها أعلاه. وذلك تمهيداً للاتفاق الذي تسعى القاهرة للوصول إليه في ذلك التاريخ كما تشير المصادر المصرية، التي قالت بأن الموعد المذكور بات "موعداً نهائياً لتوقيع اتفاق مصالحة"، وهو أمر لا تؤكده أي من الأطراف الفلسطينية المعنية. أخيراً، إن إنهاء الانقسام الفلسطيني والعودة للبيت الواحد باتت ضرورة وطنية يفترض بها أن تتقدم أجندة أعمال القوى الفلسطينية، بعد أن بان واضحاً بأن الآمال التي وضعها البعض على دور أميركي مرتقب تبخرت وأصبحت هباء بهباء، وهو ما تبدى واضحاً في خطاب بنيامين نتنياهو الأخير، الذي كرر فيه بفجاجة ووقاحة الخطاب التقليدي الصهيوني المتعلق بالرؤية الاسرائيلية للحل مع الفلسطينيين. ومن هنا أيضاً أهمية تحييد الحوار الفلسطيني عما يسمى ب (الالتزامات مع إسرائيل والشروط الخارجية) ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال كما تطالب جميع القوى الفلسطينية. * كاتب فلسطيني