تحوَّل اختبار القياس لطلاب المدارس الثانوية أو خريجي الجامعات الباحثين عن عمل، إلى شبح مرعب يطارد هاتين الفئتين، بل أصبح كابوساً مخيفاً يجثم على صدورهم كلما ساورهم دخول أحد اختبارات القياس. هذا الاختبار الغريب لا يرتكز على منهجية واضحة ولا يقوم على أرضية صلبة، ولعلي لا أكون متجنية إذا ما بحثت عن الهدف منه أو جدواه، أو تساءلت هل يطبق هذا القياس على الوافدين الذين تتعاقد معهم الجهات الحكومية أو الخاصة وما أكثرهم؟ ترى هل يخضع أولئك الوافدون إلى اختبار القياس؟ أم أنه مخصص فقط للمواطنين حتى يحول بينهم وبين تحقيق تطلعاتهم وأحلامهم، ويصبح عقبة كأداء في طريق مستقبلهم؟ ألا يفكر صانعو اختبار القياس بأن الخريج الذي مضت عليه سنوات وهو ينتظر فرصة قبوله في عمل قد تسربت جزء من معلوماته الحاضرة وأصبحت حاله النفسية معكرة لا تستطيع أن تتفاعل معه؟ ألا يكفي هؤلاء طول الانتظار المميت ومرارة حرمانهم من حياة كريمة أسوة بغيرهم ممن التحق بوظيفة أو أكمل دراساته العليا؟ ألم يدرك من وضع هذا الاختبار أن جميع الخريجين في كل المجالات يظل عطاؤهم متواضعاً ثم تبنيه الخبرة في شكل مستمر، ناهيك عن أن الحياة العملية هي المقياس الحقيقي، فالميدان يا حميدان، فقد يملك الإنسان القدرة على الإجابة، ولكنه لا يستطيع العطاء أو نقل المعلومة؟ ثم لنفرض أن للقياس قيمته وجدواه على الصعيد التعليمي أو العملي، أليس من المنطق أن نضيفه إلى منهج التعليم، من دون أن نلغي نتائج وشهادات التعليم؟ إذا كان لا بد من القياس، فلنبحث له عن مشاريع أهم وأكبر تتعلق بقياس جدوى وجود القياس أو نقيس بواسطته الخلل الإداري والاجتماعي والصحي وغيرها، ونفحص الخلل ونمد هذه القطاعات بالحلول التي تخدم المجتمع كاملاً من دون أن نجعل الناس يجتهدون بتحليل دوافع القياس على أنها حجر عثرة في طريق توظيف أبنائنا، لقناعتهم أنه ليس من المنطق أن يطبب الأصحاء ويترك المرضى، ولا يمكن قبول أن تقاس قدرات من أمضوا آلاف الساعات وأكملوا عشرات المواد وقيست قدراتهم. وليس من المقبول أبداً أن تلغى كل تلك الجهود والشهادات التي حصلوا عليها من أجل تحقيق مداخل تجارية أو اجتهادات خاطئة، ولذلك أرجو أن تقاس هذه الاجتهادات التي تزرعت في نفوس أولادنا الإحباط وقتلت كل تطلعاتهم، لأن وجود القياس بكل المقاييس يعتبر أمراً استفزازياً بكل ما في الكلمة من معنى، فلطفاً بلبنات المستقبل لا تعكروا عليهم مستقبلهم وتهدموا أحلامهم.