ولّت الى غير رجعة أيام تغاضي الأميركيين عن العلاقات والخيانات الزوجية لرؤسائهم وسياسييهم والتي راجت الى حد بعيد في سبعينات القرن الماضي. إذ حملت الأسابيع الأخيرة أربع فضائح جنسية أحدثها نشر صور إباحية على الإنترنت للنائب أنتوني واينر والكشف عن أبوة غير شرعية لأرنورلد شوارزنيغر وجون ادواردز، وذلك بانتظار محاكمة رئيس صندوق النقد الدولي السابق دومينيك ستراوس - كان بتهم الاعتداء الجنسي في نيويورك. جاءت هذه الفضائح لتعيد تحديد المعايير الجديدة للجنس والسياسة في المجتمع الأميركي بحيث قد تشكل أي انزلاقة من هذا النوع ضربة قاضية للطموح السياسي، خصوصاً في ضوء اتساع انتشارها عبر شبكات التواصل الاجتماعي مثل «فايسبوك» و «تويتر». واينر، الذي كان قبل أسبوعين النائب الشاب الديموقراطي اللامع من نيويورك والمرشح المحتمل لمنصب عمدتها والمتزوج همى عبدين أرفع مساعدة للوزيرة هيلاري كلينتون، انضم الى طابور طويل من الضالعين في فضائخ كهذه. بدأت الفضيحة مع ظهور صورة مزعومة لواينر بملابسه الداخلية الأسبوع الفائت على الموقع أرسلت الى طالبة جامعية في ولاية واشنطن غرب الولاياتالمتحدة. وبعد استغراب الطالبة تلقيها الصورة، وانزلاق واينر في حلقة مفرغة من النفي والاتهامات لجهات خارجية باختراق حسابه الإلكتروني، جاء تسريب صور أخرى للنائب الديموقراطي من النوع ذاته ليعمق مأزقه السياسي ويجبره على عقد مؤتمر صحافي اعترف خلاله بإرسال الصور واعتذاره من الناخبين ومن زوجته عبدين التي التزمت الصمت وحلقت بعيداً على متن طائرة الوزيرة كلينتون نحو أبو ظبي، لحضور مؤتمر حول ليبيا. لكن اعتراف النائب الديموقراطي واعتذاره عن إرسال الصور لحوالى ست نساء وعلى مدى السنوات الثلاث الفائتة لم يكن كافياً لنيل براءة ذمة من الرأي العام وأعضاء الكونغرس، إذ دعت زعيمة الأقلية الديموقراطية نانسي بيلوسي الى فتح تحقيق في الفضيحة وتصرفات واينر، فيما طالب نواب جمهوريون بتنحيه كما تنحى قبله النائب الجمهوري كريس لي، لقيامه أيضاً بإرسال صور إباحية على الإنترنت منذ أشهر. كما أبدى الرأي العام تعاطفاً كبيراً مع عبدين، وهي أميركية مسلمة عاشت في مدينة جدة خلال طفولتها، وانتقلت للعمل مع كلينتون في منتصف التسعينات بعد فضيحة مونيكا لوينسكي وصولاً الى توليها منصب المساعدة الأرفع للوزيرة في الخارجية اليوم. وتعتبر عبدين من أقرب المقربين الى عائلة كلينتون، حتى ان الرئيس السابق بيل كلينتون رعا حفلة زواجها الصيف الماضي. وتأتي فضيحة واينر بعد سلسلة فضائح عصفت خلال الشهر الماضي بالوسط السياسي الأميركي، بدءاً من فضيحة ستراوس - كان ثم انفصال ماريا شرايفر عن زوجها الحاكم السابق لولاية كاليفورنيا شوارزنيغر إثر اكتشافها أبوته غير الشرعية لابنة عاملة في المنزل. ولم تنته الفضائح عند هذا الحد، بل لحقها بدء الجلسات القضائية لمحاكمة المرشح السابق لنائب الرئيس جون إدواردز وتهمة استخدامه أموالاً من الحملة الانتخابية لإخفاء أبوته لطفل من إحدى الموظفات في حملته. وترسخ هذه الفضائح الى حد بعيد التحول في نظرة المجتمع الأميركي إلى السياسة والجنس. ففيما اشتهرت في السبعينات بعض فنادق مدينة واشنطن كمحطة دعارة لسياسييها، ولم يثر الاعلام يومها ضجة حول الخيانة الزوجية لجون كينيدي وقبله فرانكلين روزفلت، يخضع السياسيون الأميركيون حالياً لرقابة غير مسبوقة على حياتهم الخاصة يعززها انفجار إعلام «النيو ميديا» وشبكات «فايسبوك» و «تويتر» وما يدور في فلكهما.