شهدت الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية الأردنية أخيراً، تصريحات وبيانات متباينة إثر قرار الحكومة إعادة مهرجان جرش إلى الوجود، بعد سنوات من غيابه أو تغييبه. وكانت أبرز التطورات، بعد قرار عودة المهرجان الشهير، تلويح جمعيات أهلية ومثقفين وناشطين في محافظة جرش بالنزول إلى الشارع، في حال لم تستدرك الحكومة عدم تمثيلهم في اللجنة العليا للمهرجان. واستجابت الحكومة لهذا المطلب، وأدرج أحمد محمد الحوامدة في اللجنة، ممثلاً أبناء المحافظة الذين لطالما اشتكوا من عزلهم عن المهرجان طيلة عقدَين. وجمّدت نقابة الفنانين الأردنيين إجراءات تصعيدية كانت تعدّ لها في نهاية أيار (مايو) الماضي، احتجاجاً على ما وصفته بال «إقصاء» عن اللجنة العليا للمهرجان، إذ جرى تدارك هذا الموضوع أيضاً بضم نقيب الفنانين حسين الخطيب عضواً في اللجنة. أما رابطة الكتّاب الأردنيين، التي لم تُضم إلى اللجنة العليا للمهرجان إلى حين كتابة هذه السطور، فقد استنكرت على لسان رئيسها سعود قبيلات، موقفَ الحكومة من إقصائها عن اللجنة العليا للمهرجان. يقول قبيلات ل «الحياة»: «مازالت الحكومة لا تحتمل الرأي الآخر»، مذكّراً بأن «الرابطة» كانت من أبرز الجهات التي رفضت إلغاء مهرجان جرش، وأن أعضاءها هم المعنيون بالنهوض بالجانب الثقافي من الفعاليات، «فكيف يُستبعدون الآن؟». وكان مجلس الوزراء قرر في أيار الماضي تشكيل لجنة للإشراف العام على مهرجانَي جرش وعمّان، والتنسيق مع المعنيين بسائر مهرجانات المملكة. ولجنة جرش هي برئاسة رئيس الوزراء الأسبق فايز الطراونة، وعضوية كلٍّ من: وزير السياحة والآثار، وزير الثقافة، وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، عقل بلتاجي، شبيب عماري، رجل الأعمال زياد المناصير، ممثل عن القوات المسلحة الأردنية، رئيس بلدية جرش، والفنانة قمر الصفدي. وفيما بدا الرأي العام في معظمه مؤيِّداً لعودة مهرجان جرش، برز كُتّاب ضد هذه العودة، من بينهم إبراهيم العجلوني، الذي رأى أن المهرجان «يهدف إلى إبراز الفضاء الروماني البيزنطي»، وأضاف إن الجغرافيا الأردنية «حافلة بالآثار العربية الإسلامية، كمؤتة، واليرموك، فلماذا تستعاد الفضاءات الاستعمارية، بدلاً من العربية المشرقة؟». وشهدت جرش أول نشاط فني معاصر وسط آثارها الرومانية في العام 1961، برعاية رئيس الوزراء آنذاك هزاع المجالي. أما المهرجان بشكله الحديث، فقد أسسته الملكة نور الحسين في العام 1981، وظلت تشرف عليه حتى إيقافه العام 2007، وطُرح بدلاً منه مهرجان بعنوان «الأردن»، استمر بين عامَي 2008 و2010، واقتصرت مساحة حفلاته على ساحة القلعة في عمّان. وتعتزم إدارة مهرجان جرش، بعد العودة عن قرار إلغائه، إطلاق دورة 2011 من 21 تموز (يوليو) المقبل وحتى 11 آب (أغسطس)، في ظل شكوك الأوساط الثقافية والفنية في قدرته على استعادة حضوره، نظراً لضيق الوقت الذي قد يعيق تحقيق الوعود الكبيرة التي قطعتها إدارة المهرجان على نفسها. وأكد وزير الثقافة عضو لجنة مهرجان جرش، طارق مصاروة، أن الفعاليات ستكون «ذات سويّة فنية عالية»، بفعل الميزانية المخصصة لهذه الدورة، والتي وصفها ب «اللافتة». وأوضح: «سنسعى إلى تنشيط السياحة، بعد ما آلت إليه الأوضاع في البلدان المجاورة، مثل سورية ومصر وتونس، إضافة إلى تأثر لبنان». ووسط ذلك كله، لا يتردد بعض الفنانين والمثقفين في الكشف عن انزعاجه من عدم إفصاح الحكومة عن الأسباب الحقيقية التي أوقفت مهرجان جرش قبل أربع سنوات، والدوافع خلف إنشاء مهرجان الأردن بدلاً منه، ومن ثم إعادة «جرش» مرة أخرى. ويعبِّر هؤلاء أن في الأمر «مزاجية» ألحقت ضرراً واضحاً بالمشهد الثقافي والفني، حتى إن مأسسة المهرجان لن ترد عنه «خطر إيقافه مجدداً»، في رأي المنزعجين. يذكر أن طبيعة مهرجان جرش أتاحت للشرائح الاجتماعية المختلفة إمكانية متابعة فعالياته، ففي مدينة جرش الأثرية كان معدل سعر تذكرة الدخول إلى المسرح الجنوبي، حيث تقام الفعاليات النوعية والرئيسية للمهرجان، 20 ديناراً (28 دولاراً)، بينما تفتح الأبواب أمام الزوار مقابل «دخولية» لا تزيد على دينار واحد (حوالى 1.5 دولار)، لحضور فعاليات الساحة الرئيسة.