تحاول عمّان احتلال موقعها الثقافي بين عواصم المنطقة، هذا ما أكده أمين عمّان الكبرى عمر المعاني في غير مناسبة ومؤتمر صحافي. لكن هل تستطيع البنى التحتية المتوافرة في أمانة عمّان ووزرة الثقافة، الراعيّن الرئيسيّن للثقافة والفنون، تحقيق هذا الطموح؟ وهل هناك حاجة حقيقية أو مبرر لنحو 35 مهرجاناً متشابهاً في الفترة بين حزيران (يونيو) وتشرين الثاني (نوفمبر)؟ ما كاد مهرجان الأردن الذي يعدّ خلفاً لمهرجان جرش، يختتم فعالياته، حتى بدأ التحضير لسلسلة أخرى من المهرجانات، أقواها مهرجان الكوميديا المباشرة «ستاند أب أوف كوميدي» الذي يُقام في تشرين الثاني (نوفمبر)، بمشاركة نجوم كوميديا في برنامج «شو تايم» وسواه من البرامج الشهيرة على التلفزة الأميركية. وعلى رغم المهرجانات العريقة في العاصمة وفي المحافظات مثل: الفحيص وشبيب وماحص وصيف عمّان ومؤتمر الأطفال العرب الذي اجتاز ربع قرن من عمره، إلا أن مهرجان الأردن يعدّ الأضخم بينها، إذ مثّل في دورته العام الحالي نموذجاً صارخاً في حضوره لجهة فعالياته، وتوزيعها على مناطق البلاد المختلفة. فيما لوحظ أن الشهرين الأخيرَين اشتملا على تنظيم 23 مهرجاناً لم يحمل أيّ منها هوية خاصة تميزه عن غيره. وجهتا نظر رئيستان تبرزان في سياق الحديث عن الظاهرة: الأولى ترى في المهرجانات تنوعاً وتعدداً، وقدرة على الوصول إلى الجمهور في المحافظات. وتؤكد الثانية وجود خلل تنظيمي في إداراة المهرجانات، مطالبةً بإحداث تغيير في الهياكل الإدارية والفنية القائمة عليها، وأن يكون للهيئة أو اللجنة العليا المشرفة على كل مهرجان دور فاعل في جذب الجمهور ليتفاعل مع ما يُقدم له، إذ لُوحظَ أن عدداً من فعاليات مهرجان الأردن على سبيل المثال خلت من الجمهور، ولو بالحد الأدنى للحضور، كما حدث في حفلة الفنان بشار زرقان، وفي عرض فرقة «إنانا» السورية. هذا الخلل، نجح القطاع الخاص في تجاوزه، وأثبت قدرته على التنظيم المدروس والممنهج، عبر تنظيمه عدداً من المهرجانات والتظاهرات، مثل مهرجان الكوميديا المباشرة، والحفلات الفنية المتنوعة، ومسرحية «صح النوم» لفيروز. تتعدد العوامل التي تسهم في غياب الجمهور، ويبدو تدني القوة الشرائية للمواطن أبرزها وأكثرها تأثيراً، إذ يصل ثمن بطاقة الدخول لعدد كبير من الفعاليات إلى 35 ديناراً (50 دولاراً)، وهو مبلغ كبير مقارنةً مع دخل موظف حكومي أو في القطاع الخاص حيث متوسط الدخل (أقل من 500 دولار على أية حال). ونظراً الى عدم الإقبال، سُمح للجمهور بالدخول مجاناً إنقاذاً لإحدى حفلات مهرجان الأردن المهمة. لكن ما الذي يمكن أن يُقال إزاء إعلان مهرجانات مسرحية عن مجّانية عروضها، فتشهد عزوفاً من الجمهور هي الأخرى. وهو الأمر الذي ينسحب أيضاً على فعاليات ثقافية وفنية تتكرر الأسماء المشاركة فيها سنوياً، خصوصاً في حقل الشعر، الشاكي أصلاً من قلة الجمهور. وهذه الإشكالية تبرز أكثر في الأمسيات التي يشارك فيها كتّاب محلّيون لا يطاولون نجومية زملائهم العرب المدعويّن إلى هذه المهرجانات. وزير الثقافة صبري الربيحات، حاول تدارك تجمُّع فعاليات مهرجان الأردن، القادمة من 43 دولة، في شهر واحد (أطلقت وزارة الثقافة المهرجان في 7 تموز (يوليو)، واستمر حتى 8 آب (أغسطس)، فأعلن أن وزارته تدرس توزيع المهرجانات التي تقام في الصيف على مدار العام، حيث يتواصل الفعل الثقافي ولا ينقطع، في إطار خطة تهدف لإحداث تنمية ثقافية شمولية. وكان المهرجان اشتمل على 276 فعالية نصفها محلي، والنصف الآخر عربي ودولي. وبعيداً من كثافة المهرجانات وتزاحمها، ما زالت هناك هيئات تدعو إلى إعادة مهرجان جرش الذي شكّل لنفسه هوية واضحة المعالم، وترى أن الحراك الفني والثقافي في حاجة الى مثل ما كان يُقدَّم في «جرش». من بين تلك الهيئات رابطة الكتّاب الأردنيين، ونقابة الفنانين الأردنيين التي قيّمت إيجابياً مهرجان الأردن، على لسان نقيبها شاهر الحديد، لكنها لم تتردد في الدعوة إلى إعادة مهرجان جرش، وتشكيل لجنة لإحيائه.