يبرز الغاز الطبيعي كثاني أسرع مصادر الطاقة نمواً وانتشاراً في القطاع الصناعي، فهو الصديق الوحيد للبيئة من بين مصادر الطاقة كلها. وتساعد هذه المادة فعلاً الشركات النفطية على الاستمرار في قطاع الهيدروكربونات لأنها لم تعد تستطيع أن تنمو في إنتاج النفط، أو أن إنتاجها من هذه المادة بدأ ينخفض، أو أنها لا تكتشف حقول نفط جديدة، ما يجعل وتيرة نمو أرباحها في تقلص مستمر. لذلك نجد الشركات النفطية العالمية تركز على الغاز وبأي ثمن، ونجد أيضاً، وللمرة الأولى، تقدم شركة «شل» الهولندية - البريطانية في قطاع الهيدروكربونات على شركة «إكسون موبيل» الأميركية العملاقة، ما يعني أن فرص بقاء شركة «شل» أفضل على المدى البعيد، خصوصاً في حال واصلت مشوار التقدم في زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي وشراء حقول الغاز المختلفة، ومنها استحواذها أخيراً على حقل منتج في أستراليا ب 10 بلايين دولار. ولذلك نجد أن نسبة زيادة نمو قطاع النفط والغاز بالنسبة إلى شركة «شل» أكبر منها على صعيد بقية الشركات العالمية. ومن دون التوسع في هذين المجالين، سيصبح كثير من الشركات العالمية مرشحاً للاندماج والاستحواذ أو الاختفاء عن الوجود، وسيرتفع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي في مختلف بقاع العالم، وسيكون الأعلى في الدول النامية، خصوصاً في الصين، وسيكون بديلاً للفحم، ما سيؤدي إلى انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 60 في المئة. وسيفضي استعمال الغاز في توليد الكهرباء إلى تحسين كفاءة التوربينات والمولدات الكهربائية بنسبة تزيد عن 30 في المئة، كما سيقلل من كلفة الصيانة الدورية ويجنّب القطع الدوري أو الفجائي في تزويد الكهرباء إلى المنازل والمصانع. ويبرز التوجه العالمي إلى الغاز، خصوصاً في ضوء هذه المميزات، مع تضاؤل فرص الاكتشافات النفطية الجديدة باحتياطات ضخمة، مثل حقلي الغوار السعودي وبرقان الكويتي. وتواجه الشركات النفطية تحديات كبيرة منها مواصلة البقاء والنمو في مجال النفط وزيادة إنتاجها اليومي من النفط الخام، وتواجه كذلك تحديات كبيرة في كيفية التعامل مع الحقول ذات الاحتياطات الصعبة الاستخراج أو الواقعة في مناطق نائية، ما يتطلب كثيراً من التقنيات المتقدمة. إلا أن الشركات تواجه في الوقت ذاته مشاكل متعلقة بالبيئة والمحافظة عليها، ولا تزال ماثلة في الأذهان كارثة شركة «بي بي» والتسرب النفطي في خليج المكسيك الذي دفع هذه الشركة العملاقة إلى شفا الإفلاس، علماً أنها لا تزال تعاني ويُتوقع أن تعاني لسنوات مقبلة من خسائر، وتواجه احتمال الدخول في متاهات المحاكم والتعويضات في نزاعات مع الولايات الأميركية الجنوبية. وهذا أفضل مثال للتحديات التي ستواجهها الشركات النفطية العملاقة. وليس البحث عن الغاز عملية سهلة، لكن فرص وجود الغاز في مختلف أرجاء العالم أكبر من فرص النفط، إضافة إلى أن استكشاف الغاز الصخري وبكميات هائلة في الولاياتالمتحدة سيساعد حتماً الشركات العالمية على البحث في مناطق مختلفة واستعمال تقنيات متطورة في استخراجه من باطن الأرض، سيسهّل الاكتشافات الجديدة كما هي الحال مع الاحتياطات الواقعة في مناطق صعبة وكذلك على صعيد النفط الرملي. ويظل الغاز الطبيعي الخيار الطبيعي المفضل لإنتاج الكهرباء في العالم وفي منطقتنا العربية التي بدأت تتجه نحو هذا المسار، الأمر المتوقع أن يخفض نسبة اعتمادنا على النفط لتوليد الكهرباء إلى 13 في المئة من النسبة الحالية والبالغة 40 في المئة. وهذا الخيار مناسب أكثر من الطاقة النووية. لكن مشكلة قد تمثُل، وتتلخص في نقص الغاز في منطقتنا العربية، لكن استيراده ممكن وهذا ما يحصل في الكويت. وستكون الكلفة الإجمالية حتماً أرخص من استعمال النفط الخام والمشتقات النفطية المكررة بكل المقاييس. ويُتوقع أن يزيد تركيز الشركات النفطية العالمية على الغاز الطبيعي من التوسع في هذا المجال ويرفع نسبة تحسين الأداء وتطوير هذه الصناعة إلى معدلات أعلى. لذلك يُعتبر التوسع في هذا المجال الخيار الأمثل في المرحلة الحالية من أجل ضمان البقاء للشركات النفطية العملاقة في الأجل البعيد وإبعاد شبح الزوال. ويبقى الغاز الخيار الأفضل للبيئة والإنسان والأمن والأمان. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة - الكويت