تضم الساحة السياسية في مصر أكثر من 100 حزب، ورغم ذلك تشهد حالاً من الركود بلغ ذروته في مشهد الانتخابات الرئاسية، إذ عجزت تلك الأحزاب عن تقديم منافسين ذوي ثقل للرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، وعلى رغم أن حزبياً أنقذ الموقف، وهو المرشح الرئاسي رئيس حزب «الغد» موسى مصطفى موسى، لكن تقدمه في الدقائق الأخيرة على نحو مفاجئ ومن دون استعداد مسبق لخوض المعركة في غياب البرنامج الانتخابي الواضح، يطرح مزيداً من التساؤلات حول فاعلية تلك الأحزاب، ومعطيات المشهد الحزبي في مصر. يحدد أستاذ العلوم السياسية في جامعة السويس الدكتور جمال زهران مفهوم الحزب بأنه «كيان يضم مجموعة من الأفراد يعملون وفق برنامج واضح بهدف الوصول إلى السلطة»، وتطبيقاً على الساحة المصرية، تراجعت الأحزاب المصرية كافة خطوات عند هدفها البديهي «السلطة»، ما يعني أن تلك الأحزاب على تعددها تفتقد إلى الأساس الأول لتأسيسها: برنامج واضح للتطبيق في سدة الحكم، لكن الأحزاب كافة أمام المعركة الانتخابية انزوت، أو تقدمت مرغمة لإنقاذ المشهد من دون استعداد حقيقي أو صدى في الشارع. والمرشح الرئاسي موسى أكد ذلك بنفسه، إذ عزا ترشحه إلى خلو الساحة من المنافسين للرئيس، والرغبة في «إنقاذ صورة مصر أمام العالم». السلطة من جهتها لم تفاجأ بالمشهد الحالي، وكان السيسي انتقد في مواقف عدة ضعف الأحزاب ودعاها إلى الاندماج. كما أكدت حملته الانتخابية «عدم مسؤوليته عن غياب المنافسين» وقال المتحدث باسم الحملة محمد أبو شقة: «السيسي ليس مسؤولاً عن عزوف السياسيين عن المشاركة الفعالة في الحياة السياسية.. لست مكلفاً أن أوفر لغيرى مباشرة حقه في الترشح كما أن الدستور لم يضع عراقيل أو معوقات دستورية». وعبر أبو شقة عن الانزعاج من المشهد الحالي قائلاً: «كنا نرغب في وجود حالة من التعددية في الانتخابات التي هي شكل من أشكال الديموقراطية التي ترسخ لها الإدارة المصرية بشكل واضح». وأطلقت الأحزاب المصرية دعوات عدة، ودشنت مبادرات لحض المواطنين على المشاركة في الاقتراع المقرر له آذار (مارس) المقبل، في ظل مخاوف من عزوف الناخبين عن المشاركة في معركة محسومة سلفاً لصالح السيسي. تعد الأحزاب المصرية في غالبيتها أحزاباً نخبوية، ليست ذات قواعد جماهيرية عريضة وعادة ما ترتبط بشخص مؤسسها فتكسب شهرتها منه وتعتمد على شعبيته لاستقطاب مؤيدين، وغالباً ما تبرر الأحزاب عجزها عن تكوين قواعد جماهيرية عريضة إلى «تضييقات أو غلق للمناخ العام» يعجزون معه عن التحرك في مساحات رحبة تمكنهم من نقل برامجهم إلى الجماهير، وفق رئيس حزب الدستور (تأسس عقب ثورة كانون الثاني) خالد داوود، الذي حمل السلطة نحو 80 في المئة من مسؤولية ضعف الحياة الحزبية في مصر، وقال: «عقب الثورة أقبل الناس على ممارسة السياسة بصورة كبيرة، وشهدت الحياة الحزبية زخماً، لكن مع إقرار قانون التظاهر، وغلق المناخ شيئاً فشيئاً، اعتزل الكثيرون العمل السياسي، وسيطر الركود على المشهد من جديد. و «الدستور» عضو في ائتلاف معارض تأسس في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، يضم 8 أحزاب ونحو 150 شخصية عامة، ومنذ شهرين لم يصدر عن الجبهة المعارضة سوى بيانات ومؤتمر صحافي أعلنوا فيه «مقاطعة الانتخابات الرئاسية»، وقوبل قرار المقاطعة بحملات هجوم حادة. وهل ستستمر الجبهة المعارضة قيد البيانات أم ستتحول للعمل مع الجماهير في الشارع؟ قال داوود: «نتمنى أن تتاح لنا الفرصة لذلك»، مشيراً إلى عقد ندوات في محافظات عدة، لكنه تخوف من «حملات التخوين» و «القبضة الأمنية» على حد وصفه. في المقابل يُحمل النائب عن حزب «المصريين الأحرار» عمر وطني، الأحزاب (المقاطعة) مسؤولية ضعف الحياة الحزبية في مصر، وقال ل «الحياة»: «هؤلاء يتهربون من مسؤوليتهم، بدلاً من النزول إلى الشارع والالتحام بالجماهير والتخلي عن السياسة النخبوية، يتمسكون بالانتقادات والمقاطعة، مشيراً إلى أن حزبه «المصريين الأحرار» استطاع -على رغم حداثته نسبياً (تأسس في نيسان/ إبريل 2011)- تكوين قواعد جماهيرية، وحصد 63 مقعداً في البرلمان، ونوابه قدموا أكثر من 150 مشروع قانون، وطلبات إحاطة، ويتواصلون دائماً مع أبناء دوائرهم ويلبون مطالبهم، تلك هي الحياة الحزبية وليست المقاطعة، متسائلاً «ماذا جنت الأحزاب التي قاطعت الانتخابات البرلمانية في العام 2015؟». لكن رئيس حزب الدستور يحمل السلطة أيضاً مسؤولية مقاطعة الانتخابات النيابية، قائلاً: «قبيل الانتخابات طالبنا القائمين عليها بدعم الأحزاب السياسية بنظام انتخابي يمكنهم من خوضها عبر القائمة النسبية، لكنهم أقروا نظام القائمة المطلقة. وتغلب على البرلمان المصري قوى الموالاة للسلطة ممثلة في ائتلاف «دعم مصر» ويغلب عليه المستقلون إضافة إلى عدد من الأحزاب المنخرطة فيه وأبرزها حزب «مستقبل وطن»، في المقابل تمثل المعارضة تكتلاً مكوناً من 16 نائباً مستقلاً، ويعد المستقلون أضعاف الحزبيين داخل البرلمان. جدلية السلطة والحزب اتفق خبراء سياسيون على مسؤولية السلطات المتعاقبة في مصر إزاء المشهد الحزبي المتراكم، فيما اختلفوا في درجة المسؤولية وسبل ترتيب الساحة السياسية. وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية الدكتور مصطفى كامل: «على رغم ثورة كانون الثاني التي سمحت بتأسيس أحزاب عدة، لكن تولي السيسي السلطة بمشروع يرى أن الاستقرار السياسي يتطلب الاصطفاف الوطني، أضفى أجواء لا تساعد على تأسيس حياة حزبية قوية». أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة السويس جمال زهران، فقال: «الرئيس لم يقفز على الواقع والقانون ويؤسس حزباً، وهذا أمر جيد جداً ومبشر، ويقضي على تجارب الحزب الحاكم»، لكنه انتقد في الوقت ذاته عزوف السيسي عن لقاء قادة الأحزاب والاستماع إليهم بصورة دائمة، مشيراً إلى عدة لقاءات نظمها لهم في العام الأول لحكمه ثم انقطعت. في المقابل، رأى زهران مسؤولية السلطة في غياب الدعم عبر التمويل أو التدخل لإعادة ترتيب البيت الحزبي على نحو صائب، وقال: «قبل الثورة شهدت الحياة الحزبية تضييقات شديدة، فلم تؤسس الأحزاب سوى في كنف السلطة وتحت رعايتها، ما جعلها أحزاباً كرتونية ترضى بتمثيل «مشرف» في المجالس النيابية والمحلية وفق نفحات السلطة لها»، مضيفاً: «عقب الثورة شهدنا حال فيضان حزبي، لكنه ارتبط في الغالب بالتمويلات، إذ ظهر أكثر من 20 حزباً دينياً من بينهم حزب «الحرية والعدالة» التابع لجماعة الإخوان المسلمين التي وصلت للحكم»، مشيراً إلى سيطرة تلك الأحزاب على الحياة السياسية بصورة استدعت تدخل القوات المسلحة في حزيران (يونيو) 2013. وتابع: «كان يفترض وقتها أن تتولى الدولة مشروعاً وطنياً لنهضة الأحزاب، يعمد إلى التجربة العالمية التي تمد فيها الأنظمة الوطنية الأحزاب بتمويلات تمكنها من النشاط والتواصل مع الجماهير، وتسد الباب على التمويلات الأجنبية صاحبة الأجندات الخاصة. وحمل الباحثان الأحزاب مسؤولية ضعفها في مرتبة ثانية بعد السلطة، وقال كامل: يجب على الأحزاب أن تتبنى خطاباً واقعياً يتفاعل مع الشارع ، ويجب أن تملك وسائل التواصل والتأثير في الجماهير، مشيراً إلى أن من بين أكثر من 100 حزب لا تصدر جريدة سوى عن حزبين فقط «الوفد» و «التجمع». «الوفد»... الديموقراطيّة تقاوم رغبة رئيس الحزب على مدى يومين، عُلقت الأنظار كافة صوب حزب الوفد، إثر قرار مفاجئ من رئيسه السيد البدوي، الذي تنتهي ولايته فعلياً داخل الحزب في غضون شهور قليلة، ليل 25 كانون الثاني (يناير) الماضي، بالترشح لرئاسة الجمهورية في منافسة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عقب اجتماع مصغر مع عدد من قادة الحزب، واللافت أن البدوي ذاته كان أعلن في مؤتمر دعم الحزب للسيسي لتولّي فترة رئاسية ثانية. وأثارت نية البدوي الترشح حالاً من الجدل، إذ اعتبر البعض أن التوجّه إلى منافسة السيسي بعد دعمه سيحسم من رصيده في الشارع وينتقص من مصداقيته، علماً أن الحزب يمثل في البرلمان بأكثر من 40 نائباً، ورغم أن البدوي ربط القرار النهائي لترشحه بالهيئة العليا للحزب، توقع كثيرون أن يأتي القرار متوافقاً ورغبة رئيسه. وعلى مدى ساعات عدة نهار 27 الماضي، تداول قادة حزب الوفد قرار الترشح، بين مؤيد يعرض حجته بضرورة تقدم الوفد وهو الأعرق لخوض المعركة الرئاسية في ظل عزوف المنافسين، وبين من رأى أن الحزب أعلن تأييده للسيسي من قبل، ولن يكن مستساغاً لدى قواعده التراجع إلى منافسته. واقترح البعض أن يترشح البدوي «مستقلاً» عن الحزب، لكنه رفض، مشيراً إلى أن ترشحه يستمد قوته من قوة الحزب وتاريخه، ومن ثم لا يمكن أن يخوض التجربة منفرداً. وعقب التصويت، انتصر الرأي الرافض لترشح البدوي في الانتخابات، وذلك قبل يومين فقط من غلق باب الترشح للانتخابات الرئاسية، وجدد الوفد مبايعته للسيسي. ودافع العضو البرلماني عن حزب الوفد النائب محمد فؤاد، وهو ممن طرحت أسماؤهم في البداية لخوض الانتخابات الرئاسية عن الوفد، في بيان عن فكرة «المرشح الواحد» في الانتخابات الرئاسية، قائلاً: المرشح الذى يفوز بالتزكية لا يُشترط أن يكون السبب من وراء فوزه تعمّده إبعاد المنافسين عن السباق إطلاقاً، بل هي ظروف موقتة قد تفرضها الأوضاع على المنافسين، تدفعهم بعيداً من السباق أو لا تمكنهم من خوضه، ومنها شعورهم بتضاؤل فرصهم في الظفر بالمقعد، وهو ما اتضح جلياً في ما قام به المرشح المحتمل السابق الفريق أحمد شفيق في انسحابه، لأن الظروف الراهنة لا تسمح له بالمنافسة. وأضاف: هناك ظروف وأوضاع تجعلنا أمام مرشح واحد، وهناك تجارب دولية أخرى مماثلة، لذا لسنا في حاجة إلى صناعة ديموقراطية غير حقيقية، فالديموقراطية الحقيقية هي أن نقبل بما يفرزه الواقع والتصويت، كما أنه ليس من دور الدولة البحث عن منافسين أو انتخابات تسترضي العالم الخارجي، لهذا يجب علينا التخلّي عن جلد الذات، فالديموقراطية تفرز الواقع.