تتركز العدسات امام المقر الفاخر للمتهم في قضية الاعتداء الجنسي في نيويورك، لا تغفل شاردة ولا واردة، فالقضية تثير اهتمام العالم أو فضوله على الأقل، والمنافسة خطيرة، كما قال أحد مراسلي المحطات الأميركية، وثمة ضغط هائل عليهم، إذ يجب أن يكونوا دائماً «أول» من ينقل كل طارئ، فالأحداث كثيرة أمام هذا الباب ويجب رصدها مهما كانت: وصول هدايا ساخرة الى المتهم (بالونات بألوان العلم الفرنسي)، أو حاخامات لإسداء النصح اليه... لكنّ الحراس ردّوا كل هؤلاء على أعقابهم. إنما المتهم د. اس. كا (اختصار شائع لاسم دومينيك ستروس- كان)، ليس النجم الوحيد، فهناك الضحية «نفيستو» أيضاً. لكن الشرطة تخفيها عن الأنظار، فكيف يحل التلفزيون هذه المعضلة؟ بدأ تسابق في البحث عن كل ما من شأنه الإضاءة على هذه المرأة المجهولة التي كان كل ما تطلبه أن تترك وشأنها لتحصل على رزقها. انهمكت الصحافة التلفزيونية الفرنسية والأميركية في إجراء تحقيقاتها الخاصة ولعب دورها في الكشف عن شخصية «الضحية»، والنبش في تاريخها الأميركي والأفريقي قبل هجرتها، تماماً كما يفعل فريق المخبرين الذين وظفهم الدفاع للتفتيش عن ثغرات في تاريخ «نفيستو»، كأن تكون قد كذبت بهدف الحصول على تأشيرة الدخول الى الولاياتالمتحدة، فمن يكذب مرة، وفق الطهرانية الأميركية قادر على الكذب مرات، لا سيما في تهمة الاغتصاب. لكنّ ما أظهرته تحقيقات التلفزيون إلى الآن يذهب في اتجاه معاكس لما يريد اكتشافه فريق مخبري الدفاع. ترصّد محققو الشاشة جيران نفيستو ومرتادي المطعم الذي تجتمع فيه الجالية الأفريقية الفرانكوفونية في بلاد المهجر، وذهب فريق من قناة فرنسية إلى قرية حيث يقطن اقاربها في السنغال، وبدت الدهشة على سكان تلك القرية النائية وهم يرون هذا الهبوط المفاجئ لعدسات التلفزيون والأسئلة. «هل تظن انها تكذب؟»، سؤال. «لا، لا أظن ذلك»، جواب! وظهرت أم «الضحية» وهي تصلّي لتقول بعدها بارتباك هادئ ما يمكن أن تقوله كل أم، انها لا تصدق ما حصل لابنتها وتريد الاطمئنان عليها. ومن خلال كل ما أفاد به أقارب نفيستو ومعارفها البعيدون والقريبون، يبدو من الصعب التصديق، كما قال المذيع، أن تكون تلك المرأة كاذبة، خصوصاً في أمر كهذا يمسّ شرفها وشرف كل العائلة وقبيلة «البل» المسلمة التي تنتمي إليها. في فرنسا وبعد الصدمة وحديث بعضهم عن مؤامرة، بدأت تلك الأصوات تخفت وتعلو أخرى تلفت إلى أن ثمة «إمرأة» تعرضت لمحاولة اغتصاب، وأن قليلين اهتموا بأمرها في البداية، فشخصية المتهم كانت المركز الذي استقطب كل وسائل الإعلام. الاهتمام بالضحية يتصاعد إعلامياً، وبانتظار النتائج النهائية ستتابع عملية كشف حياة عاملة التنظيف تلك التي اجمع كل من قابلها على أنها إمرأة «جادة، مؤمنة، جميلة جداً» و... «في حالها» كذلك. نقصد، «كانت» كذلك، قبل أن تقع عليها أنظار مدير صندوق النقد الدولي!