أوقعت المدعي العام الأميركي والصحافة والإعلام والحركات النسائية التي تضامنت معها في «فخ» مربك، ها هي نفيستو «الأم المثالية» و «المؤمنة التي في حالها» كما وصفتها وسائل الإعلام في ما سبق، تتحول منذ أيام قليلة وعلى لسان وسائل الإعلام نفسها إلى «عاهرة» أغوت عن قصد دومينيك ستروس - كان المدير السابق لصندوق النقد الدولي. بعد أسابيع من الهدوء النسبي إعلامياً على جبهة محاكمة ستروس - كان، في قضية اتهامه بالاعتداء الجنسي على نفيستو عاملة التنظيف في الفندق الذي كان فيه، تعود تلك القضية إلى الواجهة مع المفاجآت المذهلة التي كشفتها التحقيقات والتي تبثها النشرات الإخبارية في عناوينها الأولى، والتي جعلت الجميع يراجع حساباته في طريقة تعامله مع الخبر. فقد ظهر في النهاية مراسل إحدى المحطات الإخبارية الفرنسية وهو يقول إن الكل تسرع في الحكم وانخدع ب «الصورة المثالية» التي أعطيت لهذه المرأة ومال إلى تصديق اتهاماتها لستروس - كان. حتى المدعي العام الأميركي يبدو في موقف لا يحسد عليه بعد «الاكتشافات المفاجئة» في حياتها وكذبها في أمور أخرى، ما يستدعي طرح التساؤلات حول اسلوب التعامل مع هذه القضية ليس قضائياً فحسب، بل «إعلامياً» ايضاً، في إشارة واضحة إلى «الفخ» الذي وقع فيه الصحافيون في شكل عام وانجرارهم وراء «الحدث» وتعاملهم معه بأسلوب كشف عن ثغراته هو الآخر. إن السرعة في كشف اسباب البراءة الآن، لا تضاهيها سوى السرعة في كشف أسباب الاتهام. بل ما زال كل شيء يتم بسرعة لا تسمح حقاً بطرح التساؤلات أو التدقيق بما يجري. فلم فجأة وبعد ستة أسابيع، اكتشف المحققون ومعهم المهتمون، أن حساب المدعية ممتلئ بالدولارات وأنها متزوجة وأجرت فوراً بعد «اعتداء» ستروس - كان عليها مكالمة هاتفية مع زوجها المسجون بتهمة ترويج المخدرات. وأنها كانت تلبي طلبات «خاصة» لزبائن الفندق الأغنياء، وأن إدارة الفندق التي كانت قالت عنها إنها «عاملة نموذجية» أعلمت الشركة الأم في باريس فوراً بالقضية وأن تلك أعلمت الاليزيه... تشابك الأحداث يجعل وسائل الإعلام ترتكب من جديد (إلى الآن على الأقل) الخطأ ذاته. يطرح الخبر ويتم التركيز على أمر بعينه (حالياً تثير التحقيقات التلفزيونية فكرة «المؤامرة» في القضية)، من دون أن نسمع أحداً أو ربما أصواتاً شديدة الخفوت تتساءل لم تمّ الكشف الآن؟ ولم لم يشر إلى «الفعل» نفسه؟ ف «المتهم» أقام علاقة جنسية مع العاملة وعاملها باحتقار رافضاً إعطاءها مالاً مقابل «عملها»، ما جعلها تشعر بالاهانة وتقرر اتهامه بالاغتصاب، خبر لم نسمعه سوى مرة واحدة، فيما كل النشرات تركز على كشف حياة المدعية وعلى براءة المتهم فقط، من دون الاهتمام بالسؤال عن الخلفيات التي أحاطت بالفعل وما قد تعكسه عن الشخصية «الإنسانية» لهذا المرشح الذي كان مفضلاً للانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة.