استفاقت فرنسا الاحد على صور أذهلت الجميع، صور ما زالت تبث، محتلة من دون منازع العناوين الأولى، إن لم تكن الوحيدة في نشرات الأخبار. المدير العام لصندوق النقد الدولي، الفرنسي دومينيك ستروس - كان، بدا في الصور الأولى مقيداً. يداه مشدودتان إلى وراء وهو محاط برجال الأمن. تتابعت الصور «المهينة» في المحكمة: بان «المتهم» مجهداً بذقن غير حليقة. ستروس - كان، كان المرشح المحتمل، وربما المفضل للحزب الاشتراكي الفرنسي للانتخابات الرئاسية المقبلة، وها هو متهم بالاعتداء الجنسي وبمحاولة اغتصاب عاملة في فندق في نيويورك. استاء كثر من هذه الصور التي ظلت المحطات التلفزيونية كافة تبثها على مدار ثلاثة ايام، وتحدث بعض عن نوع من «الانتقام الأميركي من العجرفة الفرنسية» بسبب أسلوب معاملتهم لستروس - كان. فهو متهم غير عادي، وتعرف الشرطة تماماً أن العدسات لن يكون لها شاغل إلا هو، وفيما غُطي وجه الضحية بعيداً من الأنظار أبقي هو في المواجهة، ما أثار سياسيين وفرنسيين معتادين على طريقة مغايرة تماماً في التعامل مع حدث كهذا. ففي فرنسا، المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وتتجنب وسائل الإعلام نشر صور ولقطات مقربة تبدي هؤلاء في وضع مهين. «يختلف» الامر في الولاياتالمتحدة. بعد الخروج من الصدمة بدأت الأصوات تتعالى للقول نحن في فرنسا وثمة قوانين لا تجيز ذلك، اي التركيز الدائم على وجه «المتهم» وإظهار حالة «الذل» التي يعاني منها، لا سيما أن حكماً لم يصدر في حقه بعد. وذهب بعضهم إلى حد القول إن القاضية والشرطة النيويوركية والإعلام الأميركي كأنهم أرادوا إذلال ستروس - كان ومعه فرنسا ببثهم هذه اللقطات. التلفزيونات الفرنسية نقلت الصور كما هي! فالحدث خارج فرنسا وقد صوّر في أميركا ولم تقم إلا بإعادة البث، لكن لو كان في فرنسا لامتنعت المحطات من فعل ذلك، هذا ما تعلل به بعضهم. تعليل لم يقنع، إذ دعا المجلس الأعلى للسمعي - البصري في فرنسا الثلثاء، المحطات إلى التحلي بمقدار من ضبط النفس عند بثها صور أشخاص متهمين في دعاوي قضائية، وقال، من دون تسمية ستروس - كان، إن مبدأ حرية التعبير لا يسوغ نشر صور كتلك تمثل مساً باحترام وكرامة هؤلاء الأشخاص. وذكّر المجلس بقانون فرنسي يعزز من حماية هؤلاء الذين لم تثبت التهمة عليهم بعد وحق الضحايا. ويعاقب هذا القانون بغرامة كل من يبث صوراً تظهر شخصاً مقيداً أو محاطاً بطريقة تمنع حركته ولا سيما إذا لم يكن ثمة حكم صدر في حقه بعد. اليوم وبعد أيام من بث تلك الصور «المهينة» للبريء الذي لم تثبت إدانته بعد، لم يعد مجدياً التذكير بهذا القانون، إذ رسخت تلك في الأذهان وبات محوها مرتبطاً فقط بمحو التهمة.