حسناً: لنتفق أن قيادة المرأة السيارة في السعودية محرم مؤقتاً إلى أن يجد العلماء مخرجاً شرعياً أو نصاً يجيز، مثلما أوجدوا حلولاً في كثير من القضايا الاجتماعية، كتعليم المرأة والتصوير وكاميرا الجوال، وفرص العمل النسائية، وتوسعة جسر الجمرات وصحن الطواف وغيرها من المسائل الاجتماعية بعد بحث مضن للنصوص التي تطابق الآراء. لكن ليس بمستغرب أن ما يكون محرماً في وقت من الأوقات يتحول بقدرة قادر إلى حلال ومشروع وجائز، لن أعد لكم جملة القرارات التي كانت قبل عقود وكانت من المستحيلات الصعبة، وهي اليوم واقع ملموس ولا احد يمنع.. حسناً: أخبروني: هل الدين تغير أو النصوص تغيرت؟ أم أن الأشخاص والعقول التي كانت تفكر هي التي كانت تعطل مصالحنا وحينما غادروا أو تركوا مواقعهم حلت معظم المشكلات.. التحريم المزاجي والتحليل المزاجي هي الصفة التي يمكن أن نطلقها على مجتمعنا، فهي لا ترتبط بالدين ولا بأحكامه، بل تعتمد على أهواء شخصية ومؤثرة على المجموعة. الأسبوع الماضي تابعت كل ما نشر عن قيادة المرأة السيارة في السعودية، وهذا الموضوع ما كنت سأكتب عنه لولا أنه مرتبط بحدث، وهو خروج السعودية منال الشريف بسيارتها برفقة أخيها الأسبوع الماضي بعد أن روجت لفكرتها منذ أسابيع على أنها ستقود السيارة. بالتأكيد أن خروج منال ليست الغاية منه أن تقود السيارة فقط في ذلك اليوم، بل إنها تريد إيصال رسالة بضرورة السماح للمرأة بقيادة السيارة.. تجربة منال ليست جديدة وهي واحدة من المحاولات العديدة، وتقاذف المسؤولية من إدارة إلى أخرى، أو القول بتركها إلى استفتاء شعبي، وكأنما تطلب من الناس أن يوافقوا بالإجماع على فتح مخبز. فيما الموضوع لا يستحق استفتاء شعبي أو موافقة مطلقة، فهي خصوصيات وحقوق مشروعة. قبل حادثة منال الشريف في قيادة السيارة، كانت هناك حادثة مشابهة قبل ستة أشهر وقعت في جدة، وقتها لم يأخذ أحد الموضوع على أنه ترفيهي أو اختلاط أو خلوة شرعية أو مضايقة، بل أخذ من مبدأ النخوة والشهامة. إنها قصة السيدة بسمة العمير التي أنقذت أرواحاً كانت ستغرق في سيول جدة لولا أنها قادت السيارة وحملت معها نساء وفتيات أو رجالاً في مهمة إنسانية، في تلك الأثناء صورنا هذا العمل على أنه بطولي وشجاع ولم يتحدث أحد بمنع أو يقول انه لا يسمح بقيادة المرأة السيارة، الحقيقة عمل بسمة العمير حينها كان تصرفاً شجاعاً وحكيماً ومطلبا ملحا ومهمة إنسانية لا تحتاج إلى موافقة أو إذن، حسناً: دعوني أسألكم لماذا لم نغضب من بسمة العمير حينما قادت سيارتها وأنقذت أرواح كادت السيول أن تجرفهم في جدة، وغضبنا حينما قادت منال الشريف السيارة في المنطقة الشرقية، أليست الفكرة واحدة وإنما اختلفت الظروف؟ ولكن تعالوا نسأل: لو أن منال تحمل معها في السيارة أحد أقاربها المرضى وهي تتوجه به إلى المستشفى أو امرأة حاملاً في قرية وهي تذهب بها إلى مستشفى الولادة، فهل سيكون هذا عمل مخالفاً أو إنسانياً؟ وهل كانت ستقبض عليها المرور أو تلاحقها سيارات «الجيب»؟ تعالوا نعيد المشهد الذي حدث مع بسمة العمير من زوايا أخرى، كيف سنخرج، مثلاً موظفاً راتبه 2500 ريال ويعمل حارس أمن، زوجته تعمل موظفة استقبال في إحدى الشركات براتب 2500 ريال، لنفترض أن لديهما 3 أطفال، الزوجة تنفق 1000 ريال شهرياً تأمين مواصلات لعملها، و400 ريال تأمين مواصلات لأبنائه وبناته للمدرسة، هذا يعني أن هذين الزوجين ينفقان شهرياً 1400 ريال مواصلات بمعنى أنهما يصرفان سنوياً 17 ألف ريال، فقط مصروف أجرة نقل لزوجته وأبنائه. لو فكرت الزوجة أن تساعد زوجها المغلوب على أمره وراتبه القليل، فتوصل البنات إلى المدرسة وتذهب إلى عملها بسيارتها، لاستطاعت هذه الأسرة البسيطة أن توفر مبلغاً في العام وساهمت في القضاء على الفقر وزيادة تكلفة المعيشة، وتمكنت خلال خمس سنوات من شراء قطعة أرض بقيمة 100 ألف ريال، بتوفير قيمة أجرة السائق والمواصلات، أو فتحت محلاً تجارياً أو مشروعاً استثمارياً، أليس هذا عملاً إنسانياً وشريفاً وتساهم في تحقيق كيان الأسرة؟ تجارب أخرى أيضاً قابلة للتطبيق في مجال قيادة المرأة السيارة في السعودية خاصة في نقل النساء والمعلمات، بعد أن تحولت الحافلات وسيارات الأجرة إلى أماكن مرعبة بعد أن كثرت حالات الاعتداء عليهن، هناك فرص عديدة ومجالات مختلفة لعمل المرأة إذا ما تمت الموافقة على قيادتها السيارة. حاجة المجتمع إلى السماح بقيادة السيارة ليس مطلباً ترفيهياً أو جمالياً، هو مطلب ملح ومهم ويصب في حياة المجتمع ويسهم بشكل كبير في تخفيض تكلفة المعيشة وأيضاً تحسين مستوى الأفراد، كما أنها وسيلة آمنة لنسائنا من براثن سائق الأجرة والسيارات الأخرى. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]