سُيقدم مهرجان «مساحات شرقية» مساء اليوم، «خاتمة» الأحزان بصوت قارئ المقام العراقي حسين الأعظمي، كختام للقاءات الموسيقية التي استمرت عشرة أيام في أوبرا دمشق، وجاءت بمثابة حزن يُعالج السوريون به أحزانهم. أتاحت الدورة الثانية من المهرجان فرصة للقاء وتبادل المعلومات والأفكار بين المتخصصين في مجال الموسيقى الشرقية، وبين الجمهور السوري المهتم بالتواصل مع هذا التراث. كما نظّم المهرجان مؤتمرين علميين حول «تأثير الموسيقى» و«الموسيقى في سورية الطبيعية من خلال علم الآثار»، إضافة إلى سلسلة من المحاضرات، وورش عمل، وحفلات موسيقية لفرق وموسيقيين من سورية وإيران وتركيا والعراق والمغرب ومصر وأوزباكستان وأذربيجان ولبنان والجزائر. وحاول المهرجان، كما يرى مديره هنيبال سعد «البحث عن أصول وتفاعلات «المقام»، باعتباره حجر الزاوية في بناء الموسيقى الشرقية المعاصرة، وتوفير الدعم للمبدعين الموسيقيين السوريين الذين خاضوا تجربة التواصل مع هذا التراث». وركّزت «مساحات شرقية» على العمل الأكاديمي مع المتخصصين، مع الحرص على وضع المادة الأكاديمية في أطر تؤهلها للتطبيق على أرض الواقع من خلال عرض نتائج ورش العمل والمحاضرات في الحفلات الموسيقية. كما قدّم محاضرات تعريفية عن الموسيقى الروحية الإسلامية في حلب، والموسيقى السريانية والبيزنطية والإيزيدية، ودراسات عن الموسيقى في حلب ودمشق كمركزين حضاريين مستمرين منذ العصور القديمة. وتناول مؤتمر الموسيقى السورية المعاصرة بشكل واف التأليف الموسيقي المعاصر من خلال الموسيقيين والباحثين المعاصرين: نوري إسكندر، زيد جبري، كنان العظمة، فواز باقر، حسان طه، شفيع بدر الدين ومياس اليماني. مساحة للمعرفة وبدأ الباحث قدري دلال محاضرته عن القدود الدينية الإسلامية في حلب، بقصة أول «قدّ» ديني لقس سرياني عمل على ترغيب الناس في الحضور إلى الكنيسة لعرض الألحان في طقوس يوم الأحد. و«القد» هو مُوشح من الدرجة الثانية، أقرب إلى الغناء الشعبي لأن الأخير أرقى صنعة وأمتن تأليفاً لجهة إيقاعاته، ويشبهه لجهة النص الشعري. وقرأ الباحث الموسيقي التونسي محمود قطاط، نصاً عن التراث الموسيقي المغاربي الأندلسي، وخص الموسيقي الشهير زرياب بشرح موسّع، في فترة حضوره الذي حققه في المغرب العربي، وبعد انتقاله إلى الأندلس. وقدّم الباحث أحمد بوبس بحثاً بعنوان: «الموسيقى في دمشق» عارضاً تاريخها في المئة سنة الأخيرة وتطورها، إضافة إلى الموسيقى التي ظهرت في عموم بلاد الشام. وتحدث عن رائد الحركة الموسيقية في منتصف القرن التاسع أبو خليل القباني، الذي يعتبر من روّاد مسرح الغناء العربي. كما أشار إلى مكونات الموسيقى العربية المتوارثة من العهود السابقة خصوصاً غناء القصيدة الفصحى، وتأثيرها في الموسيقى الفارسية والتركية. في حين ألقى الموسيقي والباحث نوري إسكندر محاضرة بعنوان «الموسيقى السريانية من خلال القوالب والمقامات والجمل الموسيقية»، قدّم فيها عرضاً للموسيقى السريانية التي بقيت حبيسة جدران الكنائس لأكثر من 17 قرناً. إضافة لكل محاضرات المهرجان، ستصدر المجلة البحثية المتخصصة والصادرة عن المجمع العلمي العربي للموسيقى في مصر، وكتاب يصدره المؤتمر العلمي لمساحات شرقية، بعنوان: «التأثير في الموسيقى»، وذلك بالتعاون مع «المجمع العربي للموسيقى» في القاهرة. حزن أشد في الحفلات الموسيقية، لم يُمنع التصفيق رسمياً، لكن الجمهور منعه على نفسه، كما وقف في حفلة كنان العظمة دقيقة صمت على أرواح «شهداء الحرية في سورية». إذ قدمت فرقة «الحجرة» بقيادة العظمة، نمطاً مختلفاً عن أمسياتها الاعتيادية، كان فيها الحزن واضحاً في المقطوعات الجديدة للمؤلفين السوريين رامي شاهين ونوري إسكندر. واختتم العظمة حفلته بمقطوعة «جدران وأبراج» التي رافقها عرض فيديو للفنان التشكيلي كيفورك مراد. واليوم، يُختتم هذا الحزن بحزن أشد، يؤديه العراقي حسين الأعظمي مع فرقته التي ستقدم مجموعة من مقامات تراث العراق.