اختتم ملتقى الموسيقى الشرقية الأول في دمشق أعماله مساء الخميس تاركا ابواب النقاش مفتوحة بين الداعين الى الغنى والتنوع للاستفادة من الثقافة الموسيقية الغربية في التأليف الموسيقي العربي المعاصر، وبين الرافضين لاي "تشويه" وانصهار ينتج عن فهم "قاصر" للعالمية. ولعل الاكثر تعبيرا عن المسافة بين الرأيين، تلك الصرخة التي اطلقها المؤلف الموسيقي السوري المعاصر شفيع بدر الدين، حين قال منفعلا في نقاش مع باحثين في الندوة الختامية من الملتقى "هل سنبقى الى ابد الدهر نكتب موسيقانا على مقامات الراست وغيره". صرخة بدر الدين جاءت اثر سجال مع الباحث والموسيقي التونسي محمود قطاط، الذي قال، بعد عرضه بحث مطول عن تطور المقامات الموسيقية العربية، ان مناصري "الهارموني" (تعدد الاصوات الذي يميز التاليف الموسيقي الغربي) يريدون "تبسيط الموسيقى العربية واقحام التوزيع الموسيقي والبيانو فيها" بأي طريقة كانت. وبعد مداخلة لاحد الحاضرين اقترح فيها "تبسيط" اسلوب تعليم الموسيقى العربية وتوحيد مصطلحاتها ومفاهيمها لمساعدة دارسيها و"الوصول بها الى العالمية"، تساءل الباحث التونسي "هل تعني العالمية الذوبان في الاخر، والتبعية والابتعاد عن الخصوصية ؟"، واضاف "العالمية هي الانتصار للمحلية وللتنوع الثقافي، والتطور يحدث بثورة داخلية وليس خارجية". وبشان توحيد المصطلحات العربية اعتبر قطاط انه من "الكارثي" ان "تتقلص الموسيقى العربية الى اسلوب واحد" معلقا "الحمد لله ان المجمع الموسيقي العربي فشل في توحيد المصطلحات". وفي تلخيص منه لما قدمته جلسات النقاش التي عرضت ابحاثا ودراسات مختلفة حول المقام في الموسيقى العربية، قال الباحث وعازف العود السوري محمد قدري دلال "اعتقد اننا وصلنا الى نتائج جيدة عبر ابحاث مفيدة، واذا كررنا المحاولة يمكن ان نصل الى أبحاث جديدة ذات اهمية". وشهد الملتقى على مدى خمسة ايام متواصلة، مجموعة حفلات غنائية وموسيقية، اختتمها المطرب حسن حفار وفرقته بحفلة قدود وموشحات حلبية، لقيت حماسا جيدا من الحضور، الذي لم يتجاوز في جميع الحفلات 500 شخص في دار الاوبرا السورية. ومن الحفلات اللافتة التي استضافها الملتقى، حفلة غنائية غير مسبوقة قدم فيها المغني السوري ابراهيم كيفو مجموعة من اغاني التراث الآشوري والارمني والسرياني والكردي واليزيدي في الشمال السوري، بأسلوب خاص مستقى من طريقة الغناء الاصلية لهذا التراث المتنوع. ويقول المطرب الذي يتقن لغات الثقافات التي يغنيها بحكم وجوده في بيئة الجزيرة السورية التي تلتقي فيها تلك الثقافات الاتنية "اشكر من اتاح الفرصة امام هذا الانفتاح الجميل، ولا اريد ان اضع المسؤولية (في غيابه) سابقا على احد" مضيفا "لدينا تراث غني بكل معنى الكلمة في (منطقة) الجزيرة، وثمة كثيرون لا يعرفون بوجود بعض الثقافات (الاتنية) هناك". البروفسور اللبناني ايلي كسرواني، مدير قسم الدكتوراه في جامعة السوربون باريس الرابعة، والذي شارك في اعمال الملتقى اعتبر ان النقاشات والابحاث خلال الملتقى "قدمت فائدة مهمة جدا، لدرجة انها تثقف المثقفين". وعبر عن اسفه لاقتصار حضور النقاشات على المختصين وغياب الجمهور "لان النقاشات كانت مدعومة بامثلة عملية وموجهة للعموم ايضا كي يفهموا، والحفلات المسائية كانت تشرح ما يقوله المختصون في نقاشاتهم". واشار كسرواني الى ان الناس يستفيدون من اعمال هذا الملتقى "عندما نستخدم المعرفة التي تبادلناها مع علماء الموسيقى ونخرجها في تأليف جمالي يستفيد منه المغنون بالحان مبنية على علم". الملتقى الذي نظمته "الامانة السورية للتنمية" حمل عنوان "مساحات شرقية" وهو الاول من نوعه في سوريا، قدم مجموعة حفلات غنائية وموسيقية، للعازفين العواد السوري ايمن الجسري والعراقي خالد محمد علي مع مواطنه عازف القانون حسن فالح، وعازف السارود الهندي بارثو ساروتي، اضافة الى حفلة غناء فارسي وعزف تار قدمها المغني الايراني مظفر شافعي والباحث والعازف الفرنسي جان دورينغ، وكذلك حفلة احياها المغني الايراني سالار اغلي مع زوجته عازفة الايقاع (الدف) البارعة حرير أغلي.