وسط الشارع الرئيس لمديرية المعلا في محافظة عدن الجنوبية، تعمل مجموعة من الشبان على إعادة ترتيب ساحة الاحتجاج على أسس جديدة ترمي، وفق قولهم، إلى إحياء ثقافة التعايش والسلام، في وقت تواجه الثورة الشبابية السلمية خطر الانزلاق إلى العنف خصوصاً مع نذر تفجر الوضع الأمني في صنعاء. جل الناشطين في الساحة ينتمون إلى مختلف مديريات عدن. وكثيرون منهم أعضاء في حركة شباب عدن. وهي واحدة من الحركات الشبابية التي أفرزتها الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح. وما يميز هذه الحركة، التي تأسست في نيسان (ابريل) الماضي، هو سعيها إلى استلهام ثقافة التعايش الذي عرفته مدن يمنية قبل أن تدمره الأنظمة العسكرية والقبلية التي تعاقبت على حكم شطري اليمن خلال ما يزيد على نصف قرن. ويأمل البعض في أن تقدم الحركة تأصيلاً لسلمية الثورة الشبابية التي تواجه في شهرها الرابع تحديات كبيرة أبرزها خطر الانزلاق نحو العنف خصوصاً مع انفجار الوضع الأمني في صنعاء، وانسداد أفق العمل السلمي جراء اتساع رقعة القتال. وكانت المعلا مسرحاً لمواجهات عنيفة مع الشرطة أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى معظمهم من الشباب وصغار السن. ويقول عبد الرؤوف (32 سنة) وهو احد الناشطين في الساحة، ان أعمال العنف التي شهدتها المعلا «دفعتنا إلى محاولة إيجاد نموذج شبابي يجسد ثقافة التعايش والحوار، نحاول تحرير الساحة من هيمنة الأحزاب وجعل المنصة مستقلة تماماً من دون أي اقصاء». ومن أهداف حركة شباب عدن إيجاد عقد اجتماعي يحترم التنوع والتعايش والمواطنة المتساوية. وكانت عدن عرفت تعايشاً ضم عرباً سنة وشيعة إضافة إلى هنود وفرس ويهود وصوماليين. بيد أن التعايش سرعان ما اختل بسبب الصراعات السياسية العنيفة التي شهدتها المدينة التي كانت ساحة مواجهة للجماعات القبلية والسياسية المتنازعة. ومثلت مقتلة 13 كانون الثاني (يناير) 1986 وحرب صيف 1994 ذروة الأحداث التي مست تناغم النسيج الاجتماعي للمدينة وأخلت بطابعها وفق ما يقول كثيرون من العدنيين. ويذهب البعض الى حد القول ان الذين يسقطون في التظاهرات جلهم من أبناء عدن. ويؤكد شبان ساحة المعلا أن احتجاجاتهم ستظل سلمية سواء تعلق الأمر بإسقاط النظام أم إيجاد حل عادل للقضية الجنوبية. ويلفت فهد (28 سنة) إلى أخطاء صاحبت الثورة الشبابية، «ومنها انجرار البعض إلى العنف». ويقول: «نحاول معالجة هذا الأمر من خلال نشاطات توعوية وثقافية»، مشدداً على أهمية أن تنهض الثورة على قيم التسامح والاعتراف بالآخر. ويعتبر العصيان المدني أحد الأساليب التي تركز عليها الحركة في دعوتها الى إسقاط النظام. لكن هناك من يقر باستخدام القوة في تنفيذ العصيان المدني في بعض المدن وهو ما تسعى الحركة إلى معالجته وفق فهد. وكان العنف الواقع على المتظاهرين وما بات يسمى بمجازر النظام، فتح نقاشاً ساخناً في أوساط المحتجين. وتبادلت قيادات شبابية اتهامات في شأن إطلاق دعوات الى الزحف إلى مقار حكومية تسببت في سقوط عدد من الضحايا خصوصاً في صنعاء. وكانت مناقشات دارت بين ناشطين وأعضاء في المنسقية العليا في ساحة التغيير في صنعاء، كشفت عن دور لقيادي في حزب تجمع الاصلاح في ادارة الساحة من بعد. وصار ممثلو التيارات الاسلامية متهمين بعدم تقدير الحياة والدفع بالشباب وصغار السن الى التهلكة. وارتفعت أخيراً نبرة النقد لعناصر حزب الاصلاح الاسلامي وممارساته في الساحات. وتذكر امل قاسم (33 سنة) انها تشاجرت مع اصلاحيات في ساحة مديرية كريتر على خلفية اصرارهن على احتكار المنصة ما دفع أمل الى ترك الساحة والانتقال الى ساحة المعلا. وينفي شبان الحركة عن أنفسهم الانتماء الحزبي. وتقول قاسم: «نحن حركة شبابية نظيفة ومستقلة». لكنها تقر بانحيازها للحراك الجنوبي المطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، ويحلو لها وبعض أعضاء الحركة تصنيف أنفسهم بالحراكيين السلميين أي الذين يدعون إلى استخدام وسائل سلمية لتحقيق هدف استقلال الجنوب. وتقترح الحركة أن تكون عدن عاصمة سياسية لليمن لدولة ما بعد سقوط النظام.