حرص عدد من الوزراء المسيحيين في أول جلسة لمجلس الوزراء عقدت برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام، بعد الشغور في سدة الرئاسة الأولى، على تمرير رسالة سياسية لمن يعنيهم الأمر، وفيها أن الأمور لا تستقيم إلى أمد طويل ولا تعالج بالطريقة نفسها في ظل الفراغ الذي أحدثه عدم انتخاب رئيس جمهورية جديد، لكنهم تجاوزوا الحدود المرسومة للصلاحيات في النصوص الواردة في الدستور اللبناني عندما لجأوا إلى تقليص صلاحيات رئيس الحكومة سواء من خلال عدم دعوته إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء إلا بالتشاور معهم، أو عبر قولهم إنه لا ينفرد بوضع جدول الأعمال قبل العودة إليهم. وأكدت مصادر وزارية بارزة ل «الحياة» أن لجوء هؤلاء الوزراء إلى محاولة تقليص صلاحيات رئيس الحكومة يعني من وجهة نظر أصحاب هذا الطرح أنهم يريدون تحويل حكومة «المصلحة الوطنية» إلى حكومة تصريف أعمال لإدارة الأزمة بدلاً من اتخاذ القرارات، مع أن رئيسها لم يتقدم باستقالته. حماية المرحلة الراهنة وقالت إن الهم الأساسي لرئيس الحكومة وعدد من الوزراء يكمن في أنهم يتطلعون من خلال انعقاد جلسات مجلس الوزراء إلى حماية المرحلة الراهنة بأقل كلفة، لقطع الطريق على إقحام البلد في انهيار سياسي يمكن أن ينعكس سلباً على الاستقرار العام، إضافة إلى أن مجرد طرح صلاحيات رئيس الحكومة على بساط البحث سيدفع بعدد من الأطراف إلى الاعتقاد بأن المجلس مجتمعاً يتحمل مسؤولية الفراغ في رئاسة الجمهورية، وبالتالي لا بد من الاقتصاص منه على أفعاله. ولفتت المصادر نفسها إلى أن الوزراء الذين انتظموا في صف واحد للنيل من صلاحيات رئيس الحكومة وقعوا في حسابات خاطئة وتصرفوا كأنهم لم يطلعوا على ما نص عليه الدستور لجهة حصر دعوة مجلس الوزراء للانعقاد بطلب من رئيس الحكومة بعد التشاور مع رئيس الجمهورية، إضافة إلى أنه هو من يعد جدول أعمال الجلسات ويطلع رئيس الجمهورية عليه. وكشفت أن سلام كان هادئاً في رده على الذين يحاولون تقليص صلاحياته، ودعاهم إلى قراءة النصوص الواردة في الكتاب (أي الدستور) جيداً لأنهم عندئذ سيكونون في غنى عن بعض ما طرحوه خلافاً لما نص عليه الدستور، وقالت إنه سأل أيضاً عن الجدوى من لجوء البعض إلى مخاطبته على أنه فخامة دولة رئيس مجلس الوزراء. لا فخامة إلا للرئيس وأضافت أن سلام علق على ما يقال في هذا الخصوص قائلاً: «ليعلم الجميع أن لا فخامة إلا لرئيس الجمهورية، ونحن هنا لحماية الفراغ من أي انتكاسة ليكون في وسعنا الالتفات إلى مشكلات اللبنانيين وهمومهم وتوفير ما أمكننا من حلول لهم، ولا يمكن أن نحل مكان رئيس الجمهورية، ونتطلع إلى انتخاب الرئيس الجديد اليوم قبل الغد». وشدد سلام كما نقلت عنه المصادر على أن هناك حاجة ماسة لمجلس الوزراء ليتصرف في ظل الفراغ الرئاسي الذي نأمل في أن لا يطول أمده، وأن ينتخب الرئيس في أسرع وقت ممكن، وأن ندير أمورنا في مجلس الوزراء بالاعتماد على الروحية التي كانت وراء ولادة حكومة «المصلحة الوطنية». وقالت المصادر عنيها إنه خلال الجلسة شرح وزير الاتصالات بطرس حرب صلاحيات الحكومة في مرحلة الفراغ، وشدد على أولوية انتخاب رئيس للجمهورية، وسجل بعض الوزراء تناغماً في تبادل المواقف من الصلاحيات بين وزيري العمل سجعان قزي (حزب الكتائب) والخارجية والمغتربين جبران باسيل (تكتل التغيير والإصلاح) في مقابل تناغم من نوع آخر بين الوزراء المنتمين إلى تيار «المستقبل» وحركة «أمل» و «جبهة النضال الوطني» وحرص وزير الثقافة روني عريجي (تيار المردة) على أن يكون متميزاً عن باسيل. مدافعون عن الصلاحيات ورأت المصادر أن وزراء «المستقبل» و «أمل» و «جبهة النضال» دافعوا عن صلاحيات رئيس الحكومة وعدم السماح بأي محاولة للمس بها أو تقليصها، وقالت إن وزير التنمية الإدارية محمد فنيش (حزب الله) تصرف بحيادية إيجابية من خلال إصراره على عدم تعطيل مؤسسات الدولة، أو السماح بإحداث فراغ في السلطة التنفيذية باعتبار أن كل لك يضر بمصالح اللبنانيين. لكن فنيش كما تقول المصادر لم يكن فريقاً في الدفاع عن صلاحيات رئيس الحكومة، ولا في الوقوف إلى جانب طروحات باسيل وآخرين، بينما تقدم وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس بمطالعة دافع فيها عن الصلاحيات مؤكداً أننا هنا لنبحث في كيفية سد ثغرة في السلطة التنفيذية تسبب بها الفراغ في رئاسة الجمهورية، وبدلاً من التعاون لتأمين الحد الأدنى لإدارة مصالح بلد نجد هناك من يريد أن يفتح ثقباً آخر من خلال التفافه على صلاحيات رئيس الحكومة. وأوضحت هذه المصادر أن وزيري «جبهة النضال» أكرم شهيب ووائل أبو فاعور تقدما بمطالعة لم يدافعا فيها عن صلاحيات رئيس الحكومة فحسب، وإنما حذرا من الانقلاب على اتفاق الطائف، أو إطاحته في هذا الظرف الدقيق. وقالت إن وزيري «أمل» علي حسن خليل وغازي زعيتر أدليا بدلوهما برفضهما أي تقليص لصلاحيات رئيس الحكومة. وأضافت أنهما دافعا عن اتفاق الطائف وأن مجلس الوزراء في وضعه الحالي في ظل الفراغ في رئاسة الجمهورية ليس المكان الصحيح لإعادة البحث في تعديل الطائف أو طرح أمور لن تؤدي سوى إلى تحضير المناخ لإدخال البلد في اشتباك سياسي جديد. وأكدت أن الوزيرين خليل وزعيتر دافعا عن صلاحيات رئيس الحكومة واعترضا على أية محاولة لتعطيل مجلس الوزراء، وقالت إنهما انطلقا في دفاعهما لقطع الطريق على من يسعى إلى تعطيل الجلسات النيابية التشريعية بذريعة أنه من غير الجائز الدعوة إلى انعقادها مع استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية لئلا يقال إن البلد يتكيف مع عدم انتخاب الرئيس. ... وصلاحيات رئيس المجلس وبكلام آخر اعتبرت المصادر الوزارية أن خليل وزعيتر في دفاعهما عن صلاحيات رئيس الحكومة أرادا أن يتخذ منه خط الدفاع الأول عن حق رئيس المجلس النيابي نبيه بري في توجيه الدعوات لعقد جلسات تشريعية وأن صرف النظر عنها لن يكون إلا بتوفير المعطيات التي تؤمن النصاب النيابي لانتخاب رئيس جديد. وقالت إن خليل وزعيتر شددا بطريقة أو بأخرى على أهمية التلازم بين استمرار مجلس الوزراء في عقد جلساته من دون أي تعطيل وبين الدعوة إلى الجلسات التشريعية، وبالتالي لا بد من الالتزام بهذه المقاربة وعدم الفصل بينهما. وأكدت أن مجلس الوزراء في جلسته غداً الثلثاء سيحاول التوصل إلى رسم خريطة طريق يتبناها الجميع وتكون بمثابة «المرشد» لتأمين استمرارية الحكومة في تحمل مسؤولياتها إنما على قاعدة عدم المس بصلاحيات رئيسها. إلا أن المصادر لم تستبعد أن يكون لموقف باسيل من طريقة دعوة مجلس الوزراء وإعداد جدول الأعمال خلفية أخرى تتعلق برغبته في فتح الباب أمام عقد تسويات ثنائية لا تخلو من «البيع والشراء»، خصوصاً أنه لا يزال يأمل بأن لرئيس تكتله العماد ميشال عون فرصة في انتخابه رئيساً للجمهورية، وبالتالي لا يخطط حتى إشعار آخر للانسحاب من الحكومة بمقدار ما أنه يتبع سياسة التهويل لمراعاة التكتل في بعض البنود التي تدرج على جدول أعمال الجلسات. الانتخابات النيابية إلى ذلك ترفض معظم الكتل النيابية الرئيسية التعامل باستخفاف مع إمكانية إجراء الانتخابات النيابية المؤجلة في أيلول (سبتمبر) المقبل أي قبل حلول تشرين الثاني (نوفمبر) وهو موعد انتهاء الولاية الممدة للبرلمان. وعلمت «الحياة» من مصادر نيابية أن جميع الكتل تأخذ على محمل الجد احتمال إجراء الانتخابات، وهي بدأت تستعد لخوضها حتى لو تقرر إنجازها على أساس قانون 1960 الذي لا يزال نافذاً في ظل وجود صعوبة في إقرار قانون انتخاب جديد. ولفتت إلى أن عون كان ضد تأجيل الانتخابات وأنه اصطدم في حينه مع حليفه «حزب الله» الذي أيّد التمديد للبرلمان، وقالت إن الأخير قد يضطر للوقوف معه في دعوته لإجراء الانتخابات في أيلول ظناً منه أنه سيزيد من حجم كتلته في البرلمان ويفرض نفسه كمرشح أمر واقع لا يمكن تجاوزه باعتباره الأقوى مسيحياً. وتوقفت المصادر أمام ما يشاع عن وجود استعداد لدى «التيار الوطني الحر» و«المستقبل» لخوض الانتخابات النيابية على لوائح موحدة وقالت من المبكر للطرفين أن يدخلا منذ الآن في بحث جدي حول التحالفات من منظار الحوار الدائر بينهما الذي يتوقف على قدرة عون في تحقيق اختراق في الجبهة المسيحية المناوئة له من ناحية، وفي إقناع بعض حلفاء حليفه أي «حزب الله» بتبني ترشحه في العلن. واعتبرت أن من يتحدث عن إمكانية التحالف بين عون و«المستقبل» ينطلق من رغبته بتطويق المحاولة الجارية لتبريد الأجواء بين زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وبين جنبلاط وصولاً إلى تحريضها للعب على التناقضات لإحباط أي محاولة لفتح قنوات الحوار، لا سيما أن من يقلق من القطيعة بينهما لا يزال يصر على أن أحداً لا يستغني عن الآخر مهما تباعدت المسافات، مع أن هناك صعوبة في التحضير لمعاودة التواصل. وعليه، يبدو أن همة سفراء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، بدأت تفقد من منسوب اندفاعها في حضّ الأطراف الرئيسية على ضرورة الإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية، لأن لا مصلحة لأحد في أن يطول أمد الفراغ الرئاسي. وأكدت مصادر أوروبية ل «الحياة» أن سبب تراجع اندفاعهم يعود أولاً وأخيراً إلى أنهم لا يرون فرصة لانتخاب الرئيس من بين المرشحين «الصقور»، وتحديداً بين عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وبالتالي ليست لديهم القدرة على إقناع عون بالعزوف عن خوض المعركة خلافاً لاعتقادهم بأن جعجع لن يكون عقبة في وجه المساعي الرامية إلى التوافق على مرشح تسوية. وقالت إن جميع هؤلاء السفراء يشعرون بأنهم في حاجة إلى وقت طويل لإقناع عون بضرورة الانسحاب من المبارزة الرئاسية، هذا إذا ما تجاوب مع مسعاهم، واختير السفير الذي سيأخذ على عاتقه مهمة إقناعه، فيما لا تتجرأ المؤسسات المارونية ولا الفاتيكان على أن تنوب عن السفراء في هذه المهمة الصعبة.