بدأت روسيا بحثاً جدياً عن مصدر الصواريخ المحمولة التي استخدمتها فصائل معارضة لإسقاط إحدى طائراتها الحربية فوق إدلب السبت. ووضعت موسكو الاحتمالات كافة على الطاولة، سواء لجهة إن كانت الفصائل استولت على هذه الصواريخ من الجيشين العراقي أو النظامي السوري، أو أن تكون «سُرّبت» إلى الجماعات المدعومة من أنقرة، فيما رجّحت مصادر روسية ل «الحياة» وجود أطراف تسعى إلى «رفع خسائر» الجيش الروسي في سورية، بدءاً من الهجمات على قاعدة حميميم وصولاً إلى استهداف المقاتلة الروسية. وعلى رغم تبني «هيئة تحرير الشام» إسقاط المقاتلة الروسية ومقتل قائدها، لم يستبعد رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي فلاديمير شامانوف «إقدام مجموعات الجيش السوري الحر في إدلب المدعومة أميركيا على استهداف الطائرة الروسية». وقدّر البرلماني الروسي عددهم في المحافظة بأكثر من ألف مقاتل. وسارعت وزارة الخارجية الأميركية إلى نفي تسليمها صواريخ أرض- جوّ إلى أي جماعة في سورية. وقالت الناطقة باسم الوزارة هيذر نويرت إن واشنطن «تشعر بقلق عميق» إزاء استخدام هذه الأسلحة في سورية. في غضون ذلك، تواصل موسكو العمل مع أنقرة على استعادة جثة قائد الطائرة رومان فيليبوف، الذي استطاع إبلاغ مركز العمليات بأنه نجح بالقفز بمظلته في مناطق سيطرة مقاتلي «هيئة تحرير الشام». ورجّحت مصادر روسية أن فيليبوف فجّر نفسه بقنبلة يدوية بعد فقدانه الأمل بالنجاة إثر محاصرته من جانب المجموعات المسلّحة. وكشف نائب مجلس الدوما الروسي فيكتور فولوداتسكي أن قوات خاصة سورية تمشّط منطقة في ريف إدلب، كانت طائرات الروسية استهدفتها مساء السبت ب «أسلحة دقيقة» قتلت أكثر من 30 مسلحاً كانوا مسؤولين عن إطلاق الصاروخ، كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية. وقال فولوداتسكي لوكالة «سبوتنيك» الروسية أمس، إن قوات المهمات الخاصة في القوات النظامية السورية تعمل بغطاء جوي روسي في هذه المنطقة، وتسعى إلى العثور على قطع من مضاد الطائرات التي استخدمته الفصائل. وأوضح أنه في حال تم العثور على قطع هذا الصاروخ، «فسنتمكن بواسطة الأرقام والمصدر من المعرفة في أقرب وقت من أين أتى ومن أي مصنع، وكيف وصل إلى هناك». من جهته، رجّح النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي فرانز كلينتسيفيتش، أن يكون المسلحين حصلوا على صواريخ محمولة مضادة للطائرات بمساعدة واشنطن. وقال في تصريحات أمس إن هذه الصواريخ «لا يمكن الحصول عليها من دون دعم جدي من الخارج. لقد تم ذلك عبر دولة ثالثة بواسطة الأميركيين». وتابع محذراً : «سيكلفهم ذلك غاليا.ً. نحن لا نتوعد بل نحذر. لن تبقى مثل هذه التصرفات من دون عقاب. سنوجّه ضربة مضادة». واعتبر أن الولاياتالمتحدة «تحاول أن تبدي للعيان أن الحرب في سورية لم تنته والروس لم ينتصروا»، واصفاً الأمر بأنه «طعنة في ظهر روسيا». ووسط مروحة من الترجيحات الروسية في شأن مصدر الصواريخ، قال الجنرال الروسي المتقاعد قنسطنطين سيفكوف والنائب الأول لأكاديمية المشكلات الجيوسياسية في موسكو ل «الحياة»، إن «الصواريخ المحمولة على الكتف المستخدمة في إسقاط الطائرة الروسية موجودة في حوزة الجيشين السوري والعراقي وربما تم الاستيلاء عليها من جانب المجموعات الإرهابية». ورجّح أن الطائرة كانت تحلّق على علو منخفض ما تسبب بإسقاطها، موضحاً أن «أجهزة الرادار في سوخوي- 25 لا تستطيع تتبع صواريخ ستينغر وإيغلا المحمولة على الكتف». ولم يستبعد الجنرال والخبير الروسي «تسرّب بعض أنواع الصواريخ إلى المعارضة المعتدلة من تركيا، ولكن من دون موافقة السلطات العليا في أنقرة». وأكد الخبير العسكري ورئيس تحرير صحيفة «نيزافيسمايا العسكرية» فيكتور ليتوفكين أن الجانب الروسي «لم يتوصل حتى الآن إلى معرفة الجانب الذي زود المعارضة السورية بهذه الأسلحة». وقال ليتوفكين ل «الحياة» إن «روسياوالولاياتالمتحدة وبعض البلدان الأوروبية، من ضمنها أوكرانيا، تنتج أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف»، مؤكداً أن «معرفة مصدر الأسلحة ليس أمراً صعباً كون حركة هذه الأسلحة ومبيعاتها تخضع لرقابة صارمة من قبل الأممالمتحدة». ومع تصاعد العمليات ضد الجيش الروسي في سورية باستخدام أسلّحة متطورة، قال الخبير العسكري الذي شهد وقائع حرب أفغانستان، إن «الجانب الأميركي يحاول إلحاق هزيمة بروسيا باستخدام الإرهابيين على غرار ما فعل بالجيش السوفياتي»، لافتاً إلى «وجود مئات المستشارين والمدرّبين الأميركيين على الأرض في أكثر من منطقة في سورية». وربط الخبير الروسي بين الهجمات التي أُعلن عنها في بداية العام الحالي على قاعدة حميميم بطائرات مسيرة من دون طيار، وحصول المعارضة على تقنيات وأسلحة جديدة. وأعلنت روسيا رسمياً أنها فقدت 5 طائرات مروحية منذ بداية عمليتها العسكرية في سورية، إضافة إلى خمس مقاتلات كانت أولها من طراز «سوخوي 24» في تشرين الثاني (نوفبر) 2015، أسقطتها تركيا قرب حدودها الجنوبية، وتسبب في أزمة وقطيعة بين البلدين. كما تحطّمت مقاتلة من طراز «ميغ 29» في تشرين الثاني 2016 خلال تدريبات كانت تجريها على حاملة الطائرات «الأدميرال كوزنيتسوف». وفي كانون الأول (ديسمبر) من العام ذاته تحطمت طائرة «سوخوي 33» أثناء هبوطها في البحر على حاملة الطائرات، كما تحطمت طائرة «سوخوي 24» أثناء إقلاعها من قاعدة حميميم. وتتكتم الجهات الرسمية الروسية عن الخسائر في عملياتها العسكرية. وزادت حالات استهداف القوات الروسية في الشهرين الأخيرين، إذ تعرضت قاعدتي حميميم وطرطوس لهجوم في بداية العام باستخدام طائرات من دون طيار محملة متفجرات. ولم يعلن الجانب الروسي سقوط أي ضحايا، كما قتل أربعة جنود روس في 31 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بينهم إثنان في هجوم بقذائف الهاون على قاعدة حميميم.