أكدّ مصدر عسكري روسي رفيع في العاصمة الروسية ل(الجزيرة) أن قوات بلاده صبّت وتصب جام غضبها على مواقع المسلحين التركمان في ريف اللاذقية المقربين من تركيا، وأن المعركة هناك لن تستكين قبل اقتحام جيش النظام السوري مواقع المسلحين تحت غطاء جوي روسي كثيف وبلوغه الحدود التركية، فيما صرح مسؤول أمريكي كبير، بأن إعلان روسيا نيتها نشر صواريخ مضادة للطائرات متطورة جداً في قاعدة حميميم في سوريا يثير «قلقاً جدياً» لدى العسكريين الأمريكيين. وأعلن وزير الدفاع الروسي نشر صواريخ مضادة للطائرات من طراز س-400 في القاعدة الروسية في سوريا، ما يتكامل مع إرسال الطراد قاذف الصواريخ «موسكو» إلى السواحل السورية. ويصل مدى هذه الصواريخ إلى 400 كلم، ويمثل تهديداً حتمياً لطائرات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة. وقال المسؤول الأمريكي، الذي فضل عدم الكشف عن هويته: إن الأمر يتعلق بنظام سلاح حديث يمثل تهديداً كبيراً على الجميع.. وأضاف: لدينا قلق جدي حول العمليات الجوية في سوريا. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المسؤول العسكري الذي طلب عدم كشف اسمه، قوله إن الحديث يدور عن منظومة سلاح فعالة تمثل تهديداً للجميع.. وقلقنا شديد بشأن العمليات الجوية في سوريا. إلا أن مسؤولا أمريكياً آخراً اعتبر أن الصواريخ الروسية لن تؤثر على طلعات طائرات التحالف الدولي وقال: سوف لا نتدخل في العمليات الروسية، وهم لن يتدخلوا في عملياتنا.. ليس هناك سبب لكي يواجه بعضنا بعضاً. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن الأربعاء أنه سيتم نشر منظومة «إس-400» المضادة للجو في قاعدة حميميم الجوية في سوريا، مؤكداً أن روسيا ستسخدم جميع الوسائل المتاحة لضمان أمنها. ووافق بوتين بذلك على اقتراح وزارة الدفاع الروسية نشر هذه المنظومة في سوريا إثر حادث إسقاط الطائرة الحربية الروسية بصاروخ تركي. يذكر أن منظومة «أس-400» تستطيع الكشف عن أهداف جوية على مسافة تصل إلى 400 كيلومتر، كما بإمكانها إسقاط صواريخ باليستية تكتيكية وصواريخ مجنحة وطائرات تكتيكية وإستراتيجية على بعد 60 كيلومتراً. وأعلن البنتاغون أن نشر صواريخ «أس – 400» المضادة للجو في سوريا لن يمنع الطيران الأمريكي من مواصلة عملياته ضد معاقل تنظيم «داعش» وإن كان سيزيدها تعقيداً نوعاً ما. وقال الجنرال تشارلز براون مسؤول العمليات الجوية في القيادة المركزية للقوات الأمريكية: هذا يعقد الأمور قليلاًَ، ونحن نفكر فيه. لكن لدينا عمل ونتابع تنفيذه، هو تدمير داعش، لكن براون قال إن ذلك لا يعيق العملية الجوية الأمريكية بشكل عام. وذكّر براون بوجود اتفاق بين العسكريين الروس والأمريكيين لمنع حالات الاحتكاك أثناء العمليات الجوية في سوريا، وقال «لدينا صلات جيدة بالروس. وتدرس موسكو إرسال 10 إلى 12 طائرة مقاتلة لحماية الطائرات الروسية القاذفة في سوريا خلال عملياتها ضد تنظيم «داعش» هناك. وكتبت صحيفة «كوميرسانت» الروسية نقلاً عن مصدر في أجهزة العمليات العسكرية في القوات المسلحة الروسية أنه لغاية وقوع هذا الحادث كانت الطائرات الروسية القاذفة تقوم بمهامها من دون حماية لأن المعلومات الاستخباراتية لم تكشف أبداً عن وجود معدات مضادة للجو لدى مسلحي تنظيم داعش، ولم ينظر بجدية إلى احتمال قيام طائرات التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة بمهاجمة طائراتنا. وأضاف المصدر: أما الآن فسوف ترافق كل قاذفة قنابل طائرة مقاتلة.. واستنادا إلى ذلك، تدرس هيئة الأركان العامة إمكانية إرسال 10 –12 طائرة مقاتلة لتوفير الحماية لقاذفات القنابل عند قيامها بتنفيذ مهامها القتالية. وتستخدم روسيا في غاراتتها التي تستهدف مواقع المعارضة في سوريا التي بدأت في 30 سبتمبر - أيلول الماضي طائرات اقتحامية من طراز «سو-25» وقاذفات من طراز «سو- 24 أم» و»سو-34 «، وتقوم بحمايتها في الجو طائرات مقاتلة من طراز «سو-30 أس أم». وفي أواسط الشهر الجاري بدأت طائرات بعيدة المدى من طراز «تو-160» و»تو- 95 أم أس» و»تو-22 أم 3» في تنفيذ مهام قتالية في سوريا أيضاً. وتحت غطاء جوي روسي كثيف، وسعت وحدات النظام السوري نطاق تقدمها في ريف اللاذقية بعد السيطرة على جبل النوبة وقرى عديدة في العمق المسلح، رداً على الدعم التركي للجماعات المتطرفة في ريف اللاذقية الشمالي، وإسقاط أنقرة لطائرة روسية كانت تنفذ مهمة قتالية واضحة ضد المتطرفين بالقرب من الحدود السورية التركية، ما دفع موسكو لرفع مستوى عملياتها في سوريا، ومهد لمرحلة حسم في اللاذقية. الرد الروسي على الأرض السورية بدأ يظهر ميدانياً، من خلال الطلعات المكثفة للطائرات الحربية، التي حلقت بكثافة ونفذت عدداً من الضربات المركزة والقوية على المجموعات المسلحة المتواجدة في جبل التركمان وبلدة ربيعة، وأدى ذلك إلى مقتل قيادات لمجموعات مسلحة تركمانية وعدد من الضباط المنشقين. الغضب الروسي جاء بعد قيام المسلحين في تلك المناطق بقتل أحد الطيارين الناجين من سقوط الطائرة الروسية رمياً بالرصاص، أثناء هبوطه بالمظلة. وذكر المصدر العسكري الروسي الرفيع ل»الجزيرة» أن «موسكو تقدم الدعم اللوجستي بسخاء للجيش السوري وتؤمن ما تحتاجه وحدات الجيش من عتاد وذخيرة للأسلحة المتوسطة والثقيلة، وأن راجمات الصواريخ الروسية الحديثة تؤدي دورها بقوة على الأرض، وتنجح في تحقيق تمهيد ناري نوعي للقوات السورية، التي تخوض معارك شرسة في مواجهة مقاتلي حركة «أحرار الشام» ومقاتلين تركمان يجيدون حروب الجبال الوعرة. وأضاف: توفير الذخيرة لمختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، عامل حاسم في معارك الجيش السوري ضد التنظيمات المتشددة. وأضاف المصدر: بعد انطلاق الضربات الجوية الروسية، صار الضابّط الروس أكثر انغماساً في الحرب الدائرة على الأرض السورية وباتوا أكثر قرباً من جبهات القتال، وصاروا على دراية أكثر بمستوى المعارك التي يخوضها الجيش السوري ضد التنظيمات المتشددة ومستوى تحصينات هذه التنظيمات في الجغرافيا التي تسيطر عليها مدعومة من تركيا. وأكد أن جبهة ريف اللاذقية الشمالي واحدة من أكثر جبهات الحرب قساوة على الجيش السوري، بل هي الأشد صعوبة على الإطلاق.. ورأى أن الأيام الأخيرة حملت الكثير من الانسجام التكتيكي والعملياتي بين القوات الروسية والجيش السوري، وهذا الأمر جاء بعد الفهم الذي تشكل لدى الضباط الروس، الذين عايشوا بشكل مباشر جبهات القتال من خطوطها الأمامية، وباتوا في صورة ما تحتاجه تلك الجبهات على مستوى الدعم الناري للقوات السورية التي تنفذ الاقتحامات. واعتبر المصدر أن القيادة العسكرية الروسية مهتمة جداً في مساعدة الجيش السوري على كسب معركة ريف اللاذقية، التي تميل بشكل دراماتيكي لصالح الجيش المدعوم بقوات الدفاع الوطني، وأن عدة تلال إستراتيجية هي التي تفصل دمشق عن بدء العد العكسي لسقوط كامل الريف الشمالي بيد الجيش السوري. وأشار إلى أن الجيش السوري يدخل في المرحلة الأخيرة من عملياته في ريف اللاذقية الشمالي، ومجريات المعارك تسير كما خطط لها، حيث انتهت المرحلة الثانية من التقدم، بعد أن نجح الجيش في عزل المجموعات المسلحة المتواجدة في ربيعة وسلمى عن بعضها البعض، وقطع جميع الطرق المؤدية إلى الحدود التركية. وتمكنت وحدات المشاة من السيطرة على عشرات التلال والقرى الواقعة تحت سيطرة الجماعات المتشددة، وكان آخرها قرى كباني والمركشلية، إضافة لكتفي الغنمة والغدر، فيما تمكنت وحدات المهام الخاصة من السيطرة على جبل النوبة الهام والمشرف على ربيعة من الجهة الشرقية، والذي يمنح مزيداً من السيطرة النارية على ما تبقى من مناطق تقع تحت سيطرة المسلحين في ريف اللاذقية. وذكر المصدر أن القوات السورية تتقدم على الأرض بالتزامن مع انهيار الفصائل المسلحة التركمانية في ريف اللاذقية، ما يشكل خطراً على ما تعتبره تركيا، عمقاً ديموغرافياً لها، وتشير الوقائع الميدانية إلى تطور إستراتيجي في سير العمليات العسكرية في سوريا. وقال إن القوات السورية ترغب بنقل المعارك نحو الحدود، بينما تعمل وحدات المراقبة الإلكترونية الروسية على رصد تحركات المسلحين بعمق 35 كم خلف الحدود. ولهذا تستميت أنقرة لمنع الجيش السوري من التثبيت على جبل زاهية، الذي يبعد بضعة كيلومترات، ويسمح للقوات الروسية من رصد تجمعات المسلحين وتحركاتهم ضمن الحدود التركية، كما تمد الطائرات الحربية بالمعلومات التي تسهل استهداف تحركات المسلحين وغرف عملياتهم، وهذا أحرج تركيا التي فقدت قدرتها على التحكم. أعلن الجيش التركي أنه لم يكن يعلم أن الطائرة التي أسقطها على الحدود السورية هي طائرة روسية، وأنه مستعد «لكل أشكال التعاون» مع الجيش الروسي. وقال في بيان بدا وكأنه انحناء أمام عاصفة الانتقام الروسية أن «هوية الطائرة لم تكن معروفة (...) وأن قواعد الالتزام طبقت بطريقة آلية. وأكد الجيش التركي كذلك أنه بذل جهوداً كبيرة في محاولة العثور على قائدي طائرة السوخوي وأنه أبلغ السلطات العسكرية الروسية باستعداده «لكل أشكال التعاون». ونشر الجيش التركي الأربعاء ما قدمه على أنه تسجيلات لتحذيرات وجهت إلى قائد الطائرة الروسية قبل إسقاطها الثلاثاء على الحدود السورية. وجاء في أحد هذه التسجيلات باللغة الإنكليزية تسجيل مكرر للعبارات التالية «هذا سلاح الجو التركي.. أنتم تقتربون من المجال الجوي التركي.. اتجهوا جنوباً فوراً»، وقال الجيش التركي إنه أصدر عشر تحذيرات في غضون خمس دقائق.. لكن الطيار الروسي الذي نجا من حادث الثلاثاء أكد أنه لم يتلق «أي تحذير» ولا «أي اتصال» من الجيش التركي. من جانبه أكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أمام نواب حزبه «العدالة والتنمية» أن بلاده «صديقة وجارة» لروسيا، موضحاً «ليست لدينا أي نية في تهديد علاقاتنا مع الاتحاد الروسي» مشددا على بقاء «قنوات الحوار» مع روسيا مفتوحة. وقالت تركيا إن اثنتين من طائراتها من طراز «إف-16» أسقطتا مقاتلة «سوخوي سو-24» بعد إنذارها 10 مرات بمغادرة المجال الجوي التركي.. لكن موسكو تؤكد من جانبها أن الطائرة كانت داخل المجال الجوي السوري، ولمحت إلى أن هذه العملية كانت مدبرة مسبقاً. فيما اعتبر الرئيس الروسي بوتين أن تركيا وجهت لروسيا «طعنة في الظهر»، وأن ما حدث ستكون له عواقب على العلاقات الثنائية بين روسياوتركيا. وهذا الحادث الذي أدى الى مقتل طيار روسي، هو الأخطر بين موسكووأنقرة منذ بدء العملية الجوية الروسية في سوريا قبل شهرين. وقال فلاديمير تشيجوف المندوب الروسي لدى الاتحاد الأوروبي إن إسقاط قاذفة القنابل الروسية «سو-24» كان هجوماً مدبراً، مؤكداً أن الرد الروسي لن يكون عسكرياً. وأوضح في مقابلة مع قناة «يورونيوز» نشرت مقتطفات منها الخميس 26 نوفمبر- تشرين الثاني: لم يكن هناك أي اختراق للمجال الجوي التركي، بقصد أو بغير قصد. وأعاد إلى الأذهان أن الاختراق المزعوم لو حدث فعلاً، لاستمر ثوان معدودة، وأنها فترة غير كافية لكي تستعد فيها المقاتلات التركية للهجوم. وشدد على أن ذلك يدل بوضوح إلى أن الحادثة كلها كانت مدبرة وتم التخطيط لها مسبقاً. وقال الدبلوماسي الروسي: إن هذا الاستفزاز من الجانب التركي سينعكس سلباً على علاقاتنا الثنائية. إلا أنه أردف قائلاً: وفي المجال العسكري إننا لا نخطط، طبعاً، لإعلان الحرب على تركيا، لكن سيتم توفير حماية إضافية خلال العمليات المستقبلية لسلاح الجو الروس في سوريا. وأكد تشيجوف أن العملية الروسية في سوريا تستهدف منع توسع تنظيم «داعش» الإرهابي. وأوضح نعرف أن ما يربو عن ألفي مواطن روسي يحاربون في سوريا في صفوف تنظيم «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى. إننا لا نريد أن يعود هؤلاء إلى روسيا، ولذلك ذهبنا إلى هناك في محاولة لمنع توسع داعش ليطال الأراضي الروسية وأراضي جيرانها وحلفائها. وفي موسكو، تجمع مئات المحتجين الروس أمام السفارة التركية في موسكو ليعربوا عن غضبهم بعد إسقاط القاذفة «سو-24» الروسية من قبل سلاح الجو التركي. ورشق المحتجون مبنى السفارة بالبيض وأحرقوا علماً تركياً. وعلى الرغم من تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الواقعة في وسط موسكو للحيلولة دون أي تصعيد، إلا أن ضباط الشرطة لم يقدموا على أي اعتقالات في صفوف المحتجين.