دخل مجلس التعاون لدول الخليج العربية عقده الرابع، إذ احتفلت دول المجلس، بالذكرى الثلاثين لتأسيسه، وسط نشوة المحافظة على الكيان وتحقيق إنجازات كبيرة. واستطاع المحافظة على حيويته على رغم الإحباطات الكبيرة التي صاحبت العمل العربي المشترك خلال السنوات التي مرت كان أبرزها في الجانب الاقتصادي، الذي شكل أحد الأركان التي قام عليها، والمنغصات التي كانت تعيق إنجاز الطموحات الكبيرة التي يتطلع إليها قادة المجلس. ويقدر عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي التي تمتد على مساحة تتجاوز 2.673 مليون كيلومتر مربع، نحو 38 مليون نسمة بحسب بيانات عام 2008، فيما يقدر الناتج القومي الإجمالي لهذه الدول الست بما يتجاوز 1.1 تريليون دولار في العام 2007، وهذا الرقم يضعها مع الدول الصناعية الكبيرة التي يتجاوز ناتجها القومي تريليون دولار. ويأتي إطلاق الاتحاد الجمركي الخليجي والاتحاد النقدي والعملة الخليجية الموحدة والسوق المشتركة في مقدمة الإنجازات الاقتصادية، إضافة إلى الربط الكهربائي والسكك الحديد كمجالات حيوية لتعزيز الوحدة بين دول المجلس التي خطت خطوات كبيرة بتسهيل تنقل المواطنين بين الدول الأعضاء بالبطاقة الشخصية، وكذلك انسياب السلع والبضائع من دون عوائق. وأوضح الاقتصادي نظير العبدالله أن «دول المجلس وهي تكمل عقدها الثالث، تقف على إنجاز العديد من المشاريع المشتركة، إضافة إلى التنسيق والتعاون والتكامل في المجالات كافة، وسط تطلعات وآمال مواطني دول المجلس لتحقيق المزيد من الإنجازات»، مشيراً إلى أن التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يعد أحد الأهداف الرئيسية التي نص عليها النظام الأساسي لمجلس التعاون. وقال إن المجلس الأعلى، أقرّ المجلس الأعلى في دورته الثانية 1981، الاتفاقات الاقتصادية الموحدة لترسم خطة العمل الاقتصادي المشترك ومراحل التكامل والتعاون الاقتصادي بين دول المجلس. وأضاف العبدالله أنه «تم تشكيل نواة البرامج التكاملية التي تم وضعها بشكل مفصل على مدى السنوات العشرين الأولى من قيام المجلس، وتشمل: تحقيق المواطنة الاقتصادية لمواطني دول المجلس، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، وفق خطوات متدرجة، بدءاً بإقامة منطقة التجارة الحرة، ثم الاتحاد الجمركي، ثم استكمال السوق الخليجية المشتركة، وانتهاءً بالاتحاد النقدي والاقتصادي، وإقامة المؤسسات المشتركة اللازمة لذلك، وتقريب وتوحيد الأنظمة والسياسات والاستراتيجيات في المجالات الاقتصادية والمالية والتجارية، وربط البنى الأساسية بدول المجلس». وأشار إلى أن الاتفاقات الاقتصادية التي أقرها المجلس الأعلى في دورته ال 22 (2001)، كانت علامة فارقة في تاريخ المجلس، إذ نقلت أسلوب العمل المشترك من طور التنسيق إلى طور التكامل وفق آليات وبرامج محددة، لأنها عالجت بشمولية أكثر مواضيع الاتحاد الجمركي لدول المجلس، والعلاقات الاقتصادية الدولية لدول المجلس مع الدول والمجموعات الاقتصادية الأخرى والمنظمات الدولية والإقليمية، وتقديم المعونات الدولية والإقليمية، والسوق الخليجية المشتركة. من جانبه، أشار الأكاديمي الدكتور سعيد الغامدي إلى أن المجلس في دورته ال29 (مسقط - 2008) اعتمد اتفاقية الاتحاد النقدي المتضمنة الأطر التشريعية والمؤسسية له، كما اعتمد النظام الأساسي للمجلس النقدي، في إطار تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول المجلس واستكمال مراحله، وتنفيذاً للبرنامج الزمني لإقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة المقررة من المجلس الأعلى في قمة مسقط في كانون الأول (ديسمبر) 2001، على رغم صعوبة الذهاب إلى العملة الموحدة، إلا أن إصرار بعض دول المجلس سيجعل من هذا الأمر واقعاً، وإن تأخر عن الجداول الزمنية التي وضعت له، مشيراً إلى أن هذا الأمر يتطلب جهوداً كبيرة، وتقف أمامه صعوبات كثيرة، إلا أنه يبقى من الأحلام التي يسعى ويعمل المجلس على تحقيقها. وأشار إلى أن الأمر الآخر الذي استطاعت دول المجلس تحقيقه، «السوق الخليجية المشتركة» التي أعلن عن قيامها في الدورة ال28 للمجلس الأعلى (الدوحة - 2007)، وصدر إعلان الدوحة بهذا الشأن لتعلن بداية عهد جديد من التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون يقوم على مبدأ المساواة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في جميع المجالات الاقتصادية. وتشمل السوق المشتركة عشرة مسارات حددتها الاتفاقات الاقتصادية، هي: التنقل والإقامة، والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية، والتأمين الاجتماعي، والتقاعد وممارسة المهن والحرف، ومزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية، وتملك العقار، وتنقل رؤوس الأموال والمعاملة الضريبية، وتداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.