يعد التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أحد الأهداف الرئيسة التي نص عليها النظام الأساسي لمجلس التعاون . ويمثل النظام الأساسي لمجلس التعاون والاتفاقية الاقتصادية وقرارات المجلس الأعلى المرجعية الأساسية للعمل الاقتصادي المشترك . ولتحقيق أهداف العمل المشترك في المجال الاقتصادي ، أقرّ المجلس الأعلى في دورته الثانية (نوفمبر 1981) الاتفاقية الاقتصادية الموحدة لترسم خطة العمل الاقتصادي المشترك ومراحل التكامل والتعاون الاقتصادي بين دول المجلس ، ولتشكل نواة البرامج التكاملية التي تم وضعها بشكل مفصل على مدى السنوات العشرين الأولى من قيام المجلس ، وتشمل على وجه الخصوص : 1. تحقيق المواطنة الاقتصادية لمواطني دول المجلس. 2. تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، وفق خطوات متدرجة، بدءاً بإقامة منطقة التجارة الحرة ، ثم الاتحاد الجمركي ، ثم استكمال السوق الخليجية المشتركة ، وانتهاءً بالاتحاد النقدي والاقتصادي. وإقامة المؤسسات المشتركة اللازمة لذلك. 3. تقريب وتوحيد الأنظمة والسياسات والاستراتيجيات في المجالات الاقتصادية والمالية والتجارية. 4. ربط البنى الأساسية بدول المجلس ، لاسيما في مجالات المواصلات والكهرباء والغاز ، وتشجيع إقامة المشاريع المشتركة. ونستعرض في الذكرى الثامنة والعشرين على إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تصادف غدا الأثنين الخامس والعشرين من شهر مايو 2009 , أبرز وأهم المنجزات الاقتصادية التي حققتها دول المجلس في نطاق التكامل الاقتصادي. فقد نقلت الاتفاقية الاقتصادية التي أقرها المجلس الأعلى في دورته الثانية والعشرين (ديسمبر 2001) أسلوب العمل المشترك من طور التنسيق إلى طور التكامل وفق آليات وبرامج محددة ، لأنها عالجت بشمولية أكثر موضوعات الاتحاد الجمركي لدول المجلس. والعلاقات الاقتصادية الدولية لدول المجلس مع الدول والمجموعات الاقتصادية الأخرى والمنظمات الدولية والإقليمية ، وتقديم المعونات الدولية والإقليمية. والسوق الخليجية المشتركة حيث تشمل تحديد مجالات المواطنة الاقتصادية. . الاتحاد النقدي الاقتصادي. وتحسين البيئة الاستثمارية في دول المجلس. والتكامل الإنمائي بين دول المجلس، بما في ذلك التنمية الصناعية، وتنمية النفط والغاز والموارد الطبيعية ، والتنمية الزراعية ، وحماية البيئة ، والمشروعات المشتركة. . تنمية الموارد البشرية ، بما في ذلك التعليم ، ومحو الأمية وإلزامية التعليم الأساسي ، وتفعيل الاستراتيجية السكانية ، وتوطين القوى العاملة وتدريبها وزيادة مساهمتها في سوق العمل. والتكامل في مجالات البنية الأساسية ، بما في ذلك النقل والاتصالات والتجارة الإلكترونية. فضلا عن أنها تضمنت في فصلها الثامن آليات للتنفيذ والمتابعة وتسوية الخلافات ، حيث نصت على تشكيل هيئة قضائية للنظر في الدعاوى المتعلقة بتنفيذ أحكام الاتفاقية والقرارات الصادرة تطبيقاً لأحكامها. وجاءت السوق الخليجية المشتركة التي أعلن أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون في الدورة الثامنة والعشرين للمجلس الأعلى التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة في شهر ديسمبر 2007م قيامها وصدر إعلان الدوحة بهذا الشأن لتعلن بداية عهد جديد من التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون يقوم على مبدأ المساواة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في جميع المجالات الاقتصادية . وتأتي السوق الخليجية المشتركة خطوة رئيسة في مسيرة هذا التكامل بعد إنجاز منطقة التجارة الحرة ثم الاتحاد الجمركي الذي تم الإعلان عن قيامه في الدوحة في يناير 2003م إضافة إلى تبني العشرات من القوانين الموحدة والسياسات الاقتصادية المشتركة مثل قوانين الجمارك ومكافحة الإغراق وسياسات التنمية الشاملة والتنمية الصناعية والزراعية والتجارية. وكان أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس قد أقروا مبدأ السوق الخليجية المشتركة في قمة مسقط عام 2001م كما أقر المجلس الأعلى في قمة الدوحة عام 2002م البرنامج الزمني لقيام السوق الخليجية المشتركة ونص على استكمال متطلباتها قبل نهاية عام 2007م. وتكمن أهمية السوق الخليجية المشتركة في أنها تركز على المواطنة الخليجية في المجال الاقتصادي وتقوم على مبدأ مهم وهو أن يتمتع مواطنو دول المجلس الطبيعيين والاعتباريين مثل الشركات والمؤسسات الخليجية بالمعاملة الوطنية في أي دولة من الدول الأعضاء وتتوفر لهم جميع المزايا التي تمنح للمواطنين في جميع المجالات الاقتصادية . وتشمل السوق الخليجية المشتركة عشرة مسارات حددتها الاتفاقية الاقتصادية وهي التنقل والإقامة والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية والتأمين الاجتماعي والتقاعد وممارسة المهن والحرف ومزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية وتملك العقار وتنقل رؤوس الأموال والمعاملة الضريبية وتداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية. وتعزيزاً للتكامل الاقتصادي بين دول المجلس واستكمال مراحله وتنفيذاً للبرنامج الزمني لإقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة المقر من المجلس الأعلى في قمة مسقط في ديسمبر 2001م اعتمد المجلس في دورته التاسعة والعشرين التي عقدت في مسقط نهاية شهر ديسمبر 2008م اتفاقية الاتحاد النقدي المتضمنة الأطر التشريعية والمؤسسية له , كما اعتمد النظام الأساسي للمجلس النقدي . وفي الاحتماع التشاوري الحادي عشر لقادة دول المجلس الذي عقد في الرياض في العاشر من شهر جمادى الأولى 1430ه الموافق 5 مايو 2009م اتفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وإخوانه أصحاب السمو قادة ورؤساء وفود دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على أن تكون مدينة الرياض مقراً لمجلس النقد الخليجي. وتطبيقاً لمبدأ المساواة في المعاملة في المسارات العشر التي حددتها الاتفاقية الاقتصادية فإن ممارسة المهن الحرة والحرف وممارسة الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية أصبحت مفتوحة أمام مواطني دول المجلس على قدم المساواة . وقد كان آخر تلك الأنشطة التي تم الاتفاق على جعلها متاحة لمواطني دول المجلس تجارة التجزئة والجملة حيث أزالت قمة الدوحة الأخيرة القيود التي كانت سائدة مثل اشتراط الشريك المحلي وإقامة المواطن في البلد مقر النشاط والاقتصار على فرع واحد إلى غير ذلك من القيود التي كانت موجودة في بعض دول المجلس . ويتم التنفيذ داخل كل دولة من الدول الأعضاء حسب إجراءاتها الدستورية والقانونية وتقوم بالتنفيذ الأجهزة الحكومية المختلفة المختصة بمجالات السوق العشرة . وفيما يتعلق بالمتابعة والتقييم فإن الأمانة العامة للمجلس ولجنة السوق الخليجية المشتركة ولجنة التعاون المالي والاقتصادي واللجان الأخرى المختصة تتابع التنفيذ السليم وترفع تقارير دورية للمجالس الوزارية وقادة دول المجلس عن سير العمل في السوق الخليجية المشتركة. كما أن تسهيل التبادل التجاري في السلع لا يتم من خلال آليات السوق المشتركة بل من خلال آليات الاتحاد الجمركي لدول المجلس والذي دخل حيز التنفيذ منذ خمس سنوات فالاتحاد الجمركي يعني بشكل رئيسي بتسهيل تنقل السلع بين دول المجلس وتبسيط إجراءات التبادل التجاري مع العالم الخارجي في حين تعنى السوق الخليجية المشتركة بتنقل الأفراد والخدمات والاستثمار وحرية ممارسة النشاط الاقتصادي بشكل عام. ويعد نجاح الاتحاد الجمركي عاملا معززا للسوق الخليجية المشتركة حيث يسهل تنقل السلع اللازمة لعمل الشركات والمؤسسات التي يتطلب عملها توفر السلع خاصة تلك التي تعمل في المجال الصناعي والتجاري ، إلا أن تأثير الاتحاد الجمركي محدود في نشاط الشركات والمؤسسات الخدمية التي لا تتطلب انتقال السلع بين دول المجلس مثل تلك الشركات العاملة في مجال السياحة والعقار والصحة والتعليم . وعلى الرغم من وجود بعض العقبات في سبيل استكمال جميع متطلبات الاتحاد الجمركي إلا أن الاتحاد الجمركي لدول المجلس قد أسهم بشكل واضح في زيادة التبادل التجاري يبن دول المجلس حيث زادت التجارة البينية بمعدل أكثر من 20% سنويا منذ انطلاقة الاتحاد الجمركي في يناير 2003م ويعود ذلك إلى تبسيط الإجراءات الجمركية وتوحيد أنظمة الجمارك وإلغاء الرسوم الجمركية بين دول المجلس وتوحيد التعرفة الجمركية مع العالم الخارجي كما يتم العمل على تذليل ما تبقى من معوقات في التبادل التجاري بين دول المجلس وذلك باستكمال ما تبقى من متطلبات الاتحاد الجمركي وهي (الوكالات والحماية الجمركية لبعض السلع وآلية تحصيل وإعادة توزيع الإيرادات الجمركية) حيث وجه أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس في قمتهم الأخيرة في الدوحة بإزالة كافة العقبات والمعوقات التي تعترض سير الاتحاد الجمركي . ولا تتطلب السوق الخليجية المشتركة لتحقيق مبدأ السوق الذي يقوم على المساواة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في المجال الاقتصادي في ظل تفاوت القوانين بين دول المجلس في بعض المجالات تماثل القوانين في دول المجلس ، إذ إن ما تنص عليه قواعد السوق المشتركة هو منح المعاملة الوطنية لجميع دول المجلس ، أي معاملة مواطني دول المجلس نفس معاملة مواطني الدولة مقر النشاط بمعنى أن النظم والقوانين التي تطبقها كل دولة على مواطنيها تنطبق على مواطني دول المجلس ، ولا تتطلب أن تكون القوانين نفسها متماثلة بين دول المجلس وذلك استجابة لتطلعات وآمال مواطني دول المجلس في تحقيق المواطنة الخليجية إضافة إلى تعزيز اقتصاديات دول المجلس في ضوء التطورات الاقتصادية الدولية وما تتطلبه من تكامل أوثق يقوي من موقفها التفاوضي وقدرتها التنافسية في الاقتصاد العالمي. وقد أدركت دول المجلس أن من أهم شروط تحقيق التكامل بينها هو تبني سياسات عملية وأهداف واقعية متدرجة كما حرصت على الربط بين تحديد الأهداف المستقبلية ووضع البرامج العملية لتحقيقها وبناء المؤسسات القادرة على ذلك . وبهدف ترجمة الأهداف المعلنة إلى وقائع ملموسة اتفقت دول المجلس على عدد من الخطوات التي تهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس وفق خطوات متدرجة حيث تمت إقامة منطقة التجارة الحرة في عام 1983 ثم الاتحاد الجمركي في الأول من يناير 2003م ثم السوق الخليجية المشتركة في ديسمبر 2007م . وعد الأمين العام لمحلس التعاون الخليجي عبدالرحمن بن حمد العطية إعلان قيام السوق الخليجية المشتركة بداية عهد جديد من التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون يقوم على مبدأ المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس بحيث يتمتع مواطنو دول المجلس الطبيعيين والاعتباريين بالمعاملة الوطنية في أي دولة من الدول الأعضاء ويحصلون على جميع المزايا التي تُمنح للمواطنين في كافة مناحي النشاط الاقتصادية . وقال في الندوة التي استضافتها غرفة المنطقة الشرقية خلال شهر يناير العام 2008م تحت عنوان (السوق الخليجيية المشتركة .. التطورات والايجابيات) إن السوق المشتركة تسعى إلى تحقيق المساواة وتوحيد المعاملة بين كافة أبناء دول المجلس بحيث يتمتع المواطنون والمواطنات في دول المجلس بنفس المعاملة الوطنية في أي دولة من الدول الأعضاء وبحيث تتوفر للجميع المزايا التي تمنحها أي دولة من دول المجلس لمواطنيها في جميع المجالات الاقتصادية من خلال عشرة مسارات حددتها الاتفاقية الاقتصادية الموحدة وهي التنقل والإقامة والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية والتأمين الاجتماعي والتقاعد وممارسة المهن والحرف ومزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية وتملك العقار وتنقل رؤوس الأموال والمعاملة الضريبية وتداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية). واضاف العطية (إن التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون يعد أحد الأهداف الرئيسة التي نص عليها النظام الأساسي للمجلس وأن السوق الخليجية المشتركة تأتي كخطوة رئيسة في مسيرة هذا التكامل بعد انجاز الاتحاد الجمركي وتبني العشرات من القوانين الموحدة والسياسات الاقتصادية المشتركة مثل قوانين الجمارك ومكافحة الإغراق وسياسات التنمية الشاملة والتنمية الصناعية والزراعية والتجارية) . وفيما يتصل بالاتحاد الجمركي الذي بدىء العمل به اعتباراً من الأول من يناير 2003م ، أوضحت الأمانة العامة للمجلس أنه تم التوصل عند قيام الاتحاد لعدد من التوصيات ذات الصلة بالاتحاد الجمركي ، أقرتها لجنة التعاون المالي والاقتصادي (وزراء المالية والاقتصاد بدول المجلس) أهمها السماح للبضائع الوطنية المنتجة بدول المجلس بالتنقل بكامل حريتها بين الدول الأعضاء بعد قيام الإتحاد الجمركي بموجب الفواتير المحلية الخاصة بها والبيان الجمركي الموحد للأغراض الجمركية والإحصائية. والسلع الوطنية المثبت عليها دلالة منشأ وأسم المنتج لها بطريقة غير قابلة للنزع، فأنه ليس هناك حاجة لاشتراط اصطحابها بشهادة منشأ ، ويكتفي بالفواتير المحلية الخاصة بها والبيان الجمركي الموحد للأغراض الجمركية والإحصائية. والسلع التي يتعذر _ طبقاً لطبيعتها _ تثبيت دلالة المنشأ وأسم المنتج لها بطريقة غير قابلة للنزع فإنها تنتقل خلال الفترة الانتقالية للإتحاد الجمركي كحد أقصى ، بموجب شهادة المنشأ بالإضافة للفواتير المحلية الخاصة بها والبيان الجمركي الموحد للأغراض الجمركية والإحصائية. وعدم مطالبة سلطات الجمارك بدول المجلس المنتجات الوطنية بشروط أكثر من تلك التي تطالب بها مثيلاتها الأجنبية الأخرى من حيث شكل ونوع ودلالة المنشأ. وعدم ضرورة مطالبة المنتجات الوطنية بشهادة المطابقة عند تصدير منتجاتها إلى الدول الأعضاء والاكتفاء بتطبيقها على السلع الأجنبية الواردة لدول المجلس. وتقوم إدارات الجمارك بدول المجلس باستيفاء الرسوم الجمركية على البضائع التي تصدر إلى أي من دول المجلس من المناطق والأسواق الحرة والمستودعات الجمركية العامة والخاصة بدول المجلس كأي بضاعة واردة من خارج دول المجلس. كما تم الاتفاق على آلية لتسوية الإيرادات الجمركية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الجمركي لدول المجلس (آلية المقاصة)، والمقصود بذلك أن دولة المقصد النهائي التي تستهلك فيها السلعة تحتفظ بالإيرادات الجمركية لتلك السلعة.