تسبّب إخفاق الرئيس باراك أوباما في مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو المتعطّش للاستيلاء على الأراضي، بخيبة أمل كبيرة لدى الرأي العام في العالم العربي والإسلامي. فهو أثبت بذلك الاعتقاد القائل بأنّ واشنطن قد باعت نفسها من أجل المصالح الإسرائيلية. ولقي خطاب أوباما الذي ألقاه في 19 أيار (مايو) الجاري، والذي اعتُبر بمثابة محاولة لمدّ يد الصداقة نحو الموجة الديموقراطية في العالم العربي، لامبالاة أو سخرية. ويبدو أنّ عملية السلام العربية - الإسرائيلية تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة. أثارت مقاربة أوباما المُذعِنة لإسرائيل مخاوف بعض القادة الأوروبيين. ويترتب عليهم أن ينظروا حالياً في ما إذا حان الوقت كي تنشق أوروبا عن صفّ واشنطن وتعتمد موقفاً أكثر حزماً تجاه إسرائيل، وذلك دفاعاً عن مصالحها الأمنية. ولا يسعنا في هذا الصدد سوى التساؤل حيال ما الذي قاله رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لباراك أوباما في شأن هذه المسألة حين زار الرئيس الأميركي المملكة المتحدة خلال هذا الأسبوع. وفي خطابه، حاول أوباما منح الفلسطينيين جائزة ترضية قائلاً إن الحدود بين إسرائيل وفلسطين «يجب أن تقوم على أساس خطوط عام 1967 مع تبادل أراضٍ يتفق عليه الطرفان». لكن، حين عبّر نتانياهو بغضب عن اعتراضه على ذلك، عمد أوباما إلى سحب قوله. إذ سعى خلال الخطاب الذي ألقاه يوم الأحد الماضي أمام «لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية» (أيباك)، وهي مجموعة ضغط موالية لإسرائيل، إلى تصويب ما اعتبره تفسيراً خاطئاً لكلماته. فأعلن أنّ «تبادل الأراضي المتفق عليه» يعني أن «يقوم الطرفان، أيّ الإسرائيليون والفلسطينيون، بالتفاوض على حدود مختلفة عن الحدود التي كانت قائمة في 4 حزيران (يونيو) 1967». بمعنى آخر، يجب ترك مسألة ترسيم الحدود إلى مفاوضات بين أسد وفأر. ولم يشر في خطابه إلى أي تحرّك قد تقوم به الولاياتالمتحدة لتطبيق حلّ إقامة دولتين، إسرائيلية وفلسطينية، تتعايشان بسلام وأمن. فرأى العديد من الأشخاص في خطابه دليلاً إضافياً، إن وجدت الحاجة لدليل إضافي، على سيطرة المصالح الموالية لإسرائيل على سياسة أميركا الخاصة بالشرق الأوسط. وبات واضحاً بالنسبة إلى معظم المراقبين المستقلين أن نتانياهو يرغب في الحصول على الأراضي وليس على السلام. فهو مثل المنظّرين لفكرة إسرائيل الكبرى، غير مستعد للرضوخ للمنطق. فالضغوط الجدية وحدها على إسرائيل، أو حتى التهديد بفرض عقوبات، من شأنهما أن يثمرا نتائج ملموسة. ويعيش حوالى 500 ألف مستوطن إسرائيلي وراء حدود عام 1967 فيما لا يزال بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة مستمراً بوتيرة سريعة. وعشية زيارة نتانياهو إلى واشنطن، أعلنت إسرائيل بتحدّ خبر بناء 1500 وحدة سكنية جديدة للمستوطنين اليهود في القدسالشرقية العربية. لكن، فيما يقوم أوباما بحملته لإعادة انتخابه في السنة المقبلة، أدرك أنه لا يسعه إنفاق رأس المال السياسي الذي فاز به بصعوبة على قضية فلسطين غير الشعبية. فالكونغرس الأميركي يتشكل بأكثريته الغالبة من الموالين لإسرائيل في حين أن مجموعة «أيباك» ومعهد واشنطن التابع لها يشكلان مجموعتي ضغط نافذتين، فيما يعدّ اليهود الأميركيون مساهمين رئيسيين على صعيد تمويل حملات الحزب الديموقراطي الانتخابية. كانت القاهرة العاصمة العربية الوحيدة حيث لقي خطاب أوباما ترحيباً بسبب العرض الذي تقدّم فيه لمصر والقاضي بمنحها قرضاً بقيمة بليون دولار إلى جانب ضمانات قروض بقيمة بليون دولار أخرى. لكن، أشارت صحيفة «آراب نيوز» التي تصدر في المملكة العربية السعودية باللغة الإنكليزية في 20 أيار (مايو) إلى أنه «في حال أراد أوباما كسب ثقتنا وصداقتنا، فيجب أن يعمل في الميدان الذي أخفق فيه في شكل كبير ألا وهو موضوع فلسطين. لا نريد الرشاوى الأميركية. فبوسعه أن يحتفظ بماله. إذ أنّ الاقتصاد الأميركي بحاجة إليه أكثر منّا». وبالعودة إلى الخطاب الذي ألقاه أوباما في 19 أيار، تعهّد بالتزامات مهمّة تجاه إسرائيل هي التالية: * «لا يمكن فرض السلام» بحسب قوله. وهو يعني بعبارة أخرى أنّ الولاياتالمتحدة لن تمارس الضغوط على إسرائيل حتى تسمح بقيام دولة فلسطينية. * «التحركات الرمزية الهادفة إلى عزل إسرائيل في الأممالمتحدة لن تؤدي إلى قيام دولة مستقلة... والجهود الهادفة إلى نزع شرعية إسرائيل ستبوء بالفشل». لقد عبّر أوباما بهذه الكلمات عن معارضته مخطط الفلسطينيين القاضي بالسعي إلى الحصول على إقرار بدولتهم خلال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في شهر أيلول (سبتمبر) المقبل. وعندما قال: «إن الولاياتالمتحدة ستقف في وجه محاولات الاستفراد بانتقاد إسرائيل في المحافل الدولية» كان يشير إلى أن الولاياتالمتحدة ستستمر في استخدام حقّ النقض لمصلحة إسرائيل كما فعلت في شهر شباط (فبراير) الماضي حين استخدمت حقّ النقض ضد قرار مجلس الأمن الذي يندّد بالتوسّع الاستيطاني، علماً أنّ الولاياتالمتحدة كانت قد رحبت حتى ذلك الحين باعتماد هذه السياسة! * كما وصف أوباما في الخطاب الذي ألقاه أمام «أيباك» الاتفاق بين حركتي «فتح» و «حماس» بأنه «عائق كبير في وجه السلام». وتبنى الاعتراضات التي صدرت عن إسرائيل معتبراً أنه «لا يمكن توقّع قيام دولة بالتفاوض مع منظمة إرهابية مصممة على تدميرها». ولا حاجة للإشارة إلى أنه لم يذكر أن إسرائيل حاولت تدمير حركة «حماس» حين اجتاحت قطاع غزة في عام 2008-2009 متسببة بمقتل 1400 فلسطيني. * وردّد أوباما اللازمة القائلة بأن «التزامنا بأمن إسرائيل لن يتزعزع». وكرّر أمام «أيباك» التزام أميركا بالحفاظ على التفوق النوعي لقوة إسرائيل العسكرية أي القدرة على مواجهة أي تهديد عربي وهزيمته. إلا أنه لم يأتِ على ذكر الأمن بالنسبة الى الفلسطينيين أو اللبنانيين الذين تعرّضوا للاعتداءات والاحتلالات الإسرائيلية المتكررة. ولفت أوباما إلى أنّ أي دولة فلسطينية في المستقبل يجب أن تكون «مجرّدة من السلاح». فمن الواضح أنه في نظر أوباما لا يحقّ لأيّ من الدول المجاورة لإسرائيل الدفاع عن نفسها. * وحول موضوع إيران، أعاد أوباما التأكيد على معارضة أميركا ل «برنامج إيران النووي غير المشروع ولدعمها الإرهاب»، علماً أنّ هذه الأقوال مستقاة مباشرةً من سجل البروباغندا الإسرائيلية. وعدّد أوباما ما وصفه ب «مصالح أميركا الرئيسية» في الشرق الأوسط كالتالي: «مكافحة الإرهاب» (يعتبر تدخل أميركا في العراق وأفغانستان وباكستان واليمن إلى جانب دعمها لإسرائيل الأسباب الرئيسية التي تقف وراء الإرهاب) - «وقف انتشار الأسلحة النووية» (سيرى العرب في هذا التعهد حفاظاً على هيمنة إسرائيل النووية في المنطقة. وقد نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أنّ الولاياتالمتحدة تعهدت سراً بتعزيز ترسانة إسرائيل النووية) - «ضمان التدفق التجاري الحر والحفاظ على الأمن في المنطقة» (سيتساءل العرب والإيرانيون من الذي يمكن أن يهدّد أمن المنطقة غير إسرائيل) - «دعم أمن إسرائيل» (من الواضح أن ذلك يشكل مصلحة أميركية جوهرية) - «مواصلة الجهد لتحقيق سلام عربي- إسرائيلي» (شكلت هذه القضية حتى الآن فشلاً كاملاً للولايات المتحدة). وتوجّه أوباما إلى العالم العربي بالقول: «إننا نعلم أنّ مستقبلنا مرتبط بهذه المنطقة عبر الاقتصاد والأمن والتاريخ والدين». لكنّ خطابه لم يتضّمن أي إشارة تطمئن العرب والمسلمين الى حسن النوايا الأميركية. ولقد عبّر أوباما عن فخره بمقتل أسامة بن لادن وهو «قاتل الآلاف» المتورّط «بقتل أبرياء» على حدّ تعبيره، غير أنّه لم يقرّ بأنّ عدد الضحايا الأبرياء الذين سقطوا بسبب الحروب التي شنتها أميركا وإسرائيل أيضاً هو أكبر بكثير من عدد الأشخاص الذين قتلوا على يد تنظيم «القاعدة». في حال أراد أوباما بالفعل إقامة علاقة أفضل مع الشباب الذين يقودون «ربيع العرب»، فحريّ به إعادة التفكير ملياً من جديد. * كاتب بريطاني مختص في قضايا الشرق الأوسط