مع اقتراب موعد «الطلاق» المرتقب بين بريطانيا وأوروبا بحلول أواخر آذار (مارس) 2019، تشهد فرنسا ارتفاعا كبيراً في عدد البريطانيين الساعين للحصول على الجنسية الفرنسية. هذا المسعى، برز في فرنسا بعيد استفتاء «بركزيت» العام 2016 حين اختارت غالبية البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي، واتخذ منحىً تصاعدياً بموازاة المفاوضات بين السلطات البريطانية والمسؤولين الأوروبيين في شأن شروط الانفصال. وأفادت وزارة الداخلية الفرنسية بأن عدد البريطانيين الراغبين في الحصول على الجنسية الفرنسية ارتفع بمعدل ثمانية أضعاف في غضون ثلاث سنوات. وذكرت أن 1518 بريطانياً حصلوا على الجنسية الفرنسية العام 2017 في مقابل 419 العام 2016، وأن طلبات التجنيس قفزت الى 3173 طلباً في مقابل 386 طلباً قبل عامين. والسبب في هذا الإقبال المتزايد مرده، وفقاً لتحقيق إخباري بثته القناة الثانية في التلفزيون الفرنسي، الى تعلّق هؤلاء المواطنين البريطانيين بأوروبا من جهة، والى عدم رغبتهم في فقدان المكاسب الناجمة عن الانتماء الأوروبي، وفي طليعتها حرية التنقل للعاملين والكلاب والسواح. وتضمن التحقيق الإخباري شهادات لبريطانيين حصلوا أخيراً على الجنسية الفرنسية، بينهم الصحافي أليكس تايلور الذي قال إنه عندما تبلّغ بموافقة السلطات الفرنسية على تجنيسه، شعر ب»انتصار شخصي على كل مؤيدي بريكزيت الذين عملوا على انتزاع حقوقنا كأوروبيين». فلدى تايلور روابط عاطفية مع أوروبا التي اكتشفها خلال جولة قام بها مع والده عام 1960 الذي أراد أن يريه بالملموس ما كان يمكن أن تدمره الحروب التي شهدتها القارة الأوروبية. ويرى مدير مرصد «بركزيت» أوريليان أنطوان أن قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي أدى الى شرخ لدى البريطانيين المتمسكين بانتمائهم الأوروبي الذين شعروا بأن هذا القرار يجرّدهم من جزء من هويتهم. وبالتالي، يُتوقع أن يتزايد إقبال البريطانيين المقيمين في فرنسا على الجنسية الفرنسية العام الحالي، علماً أن عددهم يتراوح بين 150 و400 ألف شخص، وأن المهلة الفاصلة بين تقديم الطلب والحصول على رد من السلطات المعنية يتطلب حوالى 18 شهراً. وكانت صحيفة ال»غارديان» البريطانية أفادت بأن حوالى 9 آلاف بريطاني تقدموا بطلب الجنسية الإرلندية بين حزيران 2016 وحزيران 2017، وأن 1700 بريطاني طلبوا الجنسية الألمانية، كما طلب ألفان الجنسية السويدية، فيما تلقت السلطات الإيطالية 573 طلبَ تجنيس، لافتة الى أن الأولوية بالنسبة الى هؤلاء هو الإبقاء على انتمائهم الأوروبي بمعزل عن البلد الذي يحصلون على جنسيته. ويلف الغموض، بعد «بريكزيت»، مستقبل البريطانيين الذين لا يملكون شروط اكتساب جنسية إحدى الدول الأوروبية، ويُراهن بعضهم على أن يكون الفشل هو مصير المفاوضات المعقدة الدائرة بهذا الشأن بين لندن وبروكسيل. وكان رئيس المفاوضين الأوروبيين في شأن «بركزيت» الوزير الفرنسي السابق ميشال بارنييه أشار الى مثل هذا الاحتمال بقوله إن المراوحة التي تواكب عملية التفاوض تجعل من عدم التوصل الى اتفاق احتمالاً قائماً. في المقابل، طمأنت لندن الأوروبيين المقيمين في بريطانيا، ودعاهم وزير شؤون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ديفيد ديفيز الى عدم القلق قائلاً إنه لن يتم ترحيلهم. لكن ديفيز الذي كان يتحدث أمام لجنة برلمانية، أشار الى أن شروطاً جديدة ستُفرض على الوافدين الجدد. وأضاف أنه سيتفاوض مع القادة الأوروبيين من أجل «ضمان تعويضات سخية للوافدين الأوروبيين الموجودين حالياً في البلاد، وتعويضات سخية للمواطنين البريطانيين» الموجودين في أوروبا، ولكن من دون تقديم الضمانات ذاتها إلى الوافدين الجدد.