في سبعينات القرن الماضي، وفي خضم الاضطرابات السياسية والأمنية الناجمة عن محاولات الانقلاب العسكري في المغرب، خرجت من رحم الأحياء الشعبية للدار البيضاء، وهي كبرى الحواضر المغربية، فرقة «ناس الغيوان» الشعبية التي ألهبت مشاعر الناس بأغنيات حملت هموم الفقراء والمهمشين والحزانى. فانتشرت تلك الأغنيات وعبرت من الوجدان المغربي إلى العالم العربي كله. وثمة من يشعر اليوم بأن التاريخ يعيد نفسه، بعدما سطع نجم فرقة «هوبا هوبا سبيريت» (روح الهوبا أو الهيب هوب)، التي طرحت مؤخراً أغنية جديدة بعنوان «إرادة الحياة» استعادت فيها قصيدة أبي القاسم الشابي الشهيرة، على خلفية توزيع إيقاعي شبابي معاصر. يقول مؤسس الفرقة، رضا علالي (الذي كان دأب لسنوات على كتابة عمود ساخر باللغة الفرنسية في مجلة «تيل كيل» الشهيرة)، أن اختيار قصيدة الشابي يعود إلى كونها صارت تعبيراً خالداً على الصمود في وجه المتغيرات، لا سيما بعد الثورة التونسية المجاورة. يضيف أن «تخليد ما يقع من تطورات في المغرب الآن دفعنا إلى التفكير في إنتاج أغنية اتفقنا في النهاية على أن كلماتها يجب ألا تتجاوزها الأحداث، وقصيدة إرادة الحياة تحقق هذا الهدف». الأغنية الجديدة مهداة، بحسب تقديمها، إلى شباب حركة «حركة 20 فبراير» التي تقود الاعتصامات والمسيرات الاحتجاجية في المغرب. ولا تشكل «إرادة الحياة» استثناء بالنسبة إلى الفرقة التي تعودت مواكبة التطورات السياسية والاجتماعية المغربية. فمنذ تأسيسها عام 1998، ظلت الفرقة على رأس التطورات في المجتمع المغربي بنمط موسيقي يجمع بين «الكناوي»، ذي الطابع المغربي الأصيل، وبين الهارد روك. بعد عشر سنوات على تأسيسها، لم يعد مراقبو الساحة الموسيقية المغربية قادرين على تجاوز ظاهرة «الهوبا هوبا سبيريت» كعلامة موسيقية وغنائية فارقة. ومع ذلك واجهت الفرقة متاعب عديدة إذ شكلت نصوصها النقدية، الجريئة في نقد المجتمع والسلطة على حد سواء، صدمة للساحة الفنية المغربية. فتركز كلمات الأغنيات على مناهضة الفساد والرشوة والاستبداد (كما في الألبوم الأخير «النفس والنية»)، ما أهّلها أيضاً لتكون حاملة راية الأغنية الجديدة المعبرة عن آمال جيل الشباب. وشكل ظهور الفرقة، في أواخر التسعينات من القرن الماضي، تعبيراً عن تحولات كبرى في المغرب. فعلى المستوى السياسي، شهدت المرحلة وصول حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض إلى السلطة، وقيادته لما سمي آنذاك حكومة التناوب. ومن الناحية الاجتماعية، دخل المغرب في تحديات إقرار مدونة للأسرة، اعتبرت حداثية، مع ما رافق ذلك من تأثير على بنيات اجتماعية وقيم جديدة. وتؤدي الفرقة نصوصاً بلغة قد تبدو للبعض هجينة، إذ تجمع بين العربية والفرنسية والإنكليزية، لكنها بذلك تعتبر أن تحكي بألسنة الناس وكما يتخاطبون هم مع بعضهم البعض في الشارع والنوادي والجامعات والمقاهي. وفي حين تمتزج، في أغاني «هوبا هوبا سبيريت»، أنماط موسيقية مختلفة، من الهارد روك إلى الراب والكناوي المغربي، مروراً بالنمط الموسيقي الشعبي، إلا أنها تحافظ بقوة على الروح المغربية في الأداء. نسمع الشباب ينتقدون «الدرك الملكي» (رجال جهاز الأمن)، ويستحضرون مفردات تكنولوجيا المعلوماتية لوصف أزمة الهجرة، على طريقة أن الشاب المغربي بات يرغب على الدوام في «تحميله» إلى بلاد أخرى، كأستراليا، مثل ملف MP3! بينما تتحول العولمة، ومعها اقتصاد السوق المنفلت والقاسي على الفقراء، إلى نكتة على لسان «التراباندو»، وهو المهرب الذي يتنقل بين الحدود. كما انتقدت الفرقة الأعمال الإرهابية التي كانت ضحيتها أخيراً الدارالبيضاء.