لم تتسع مسارح دمشق لعمل «الثورة غداً تؤجل إلى البارحة»، فعرضها التوأمان ملص في غرفة نومهما الخاصة التي لا تتجاوز مساحتها مترين مربعين، داخل بيتهما في منطقة العدوي في دمشق، كأول عمل مسرحي يتناول أحداث ثورة الحرية في سورية. جسّد محمد ملص شخصية المتظاهر المطالب بالحرية، فيما تولى أخوه أحمد دور رجل الأمن أو الضابط. لكنهما يتحاوران، يبكيان، يختلفان ويتفقان على قدسية دماء الشهداء. حاول العرض طرح وجهة نظر محايدة تقريباً، تكاد تقول ان لكل طرف أخطاءه، وذلك بسبب «شهادات الخيانة المجانية التي توزع اليوم على كل من يحاول أن ينتقد، فسيجعلنا المدح متملقين في نظر البعض، والانتقاد سيجعلك خائناً. من هنا بدأنا البحث عن عرض يتضمّن الحقيقة فقط، الحقيقة العامة لا الخاصة»، وفق تعبير احدهما. ووجّه العمل انتقادات لاذعة لأعضاء مجلس الشعب السوري مشبّهاً إياهم بالدمى. وتطرّق الى خطابي الرئيس السوري بشار الأسد، والى دور موقع «فايسبوك» الذي يعتبر إحدى أدوات الثورة في المنطقة، «والمتنفس الأكثر أهمية بالنسبة الى الشباب السوري». وهاجم العرض شبح الطائفية في سورية «الذي يحاول الإعلام السوري ترويجه كبديل من النظام في حال رحيله»، واستشهد التوأمان ملص بحادثة تشييع شهداء داريا في ريف دمشق حيث رشت نساء مسيحيات الرز على الموكب، وأطلقن الزغاريد للشهداء المسلمين من كنائسهن، «كبرهان صغير يُكذّب روايات الإعلام السوري الذي فقد صدقيته، لأنه تجاهل آراء المواطنين الحقيقية، كما تحوّلت قنواته إلى منابر لا تقنع حتى الأطفال». وسخر التوأمان بشدة من فكرة وجود «مندسين» من الخارج يحاولون تخريب البلاد، كما تقول الروايات الحكومية، «فلا يعقل أن يكون نصف الشعب السوري مندساً، حين ينزل إلى الشوارع للمطالبة بالحرية، هذه رواية مرفوضة تماماً وإن كانت صحيحة فهذا دليل على أن حكومتنا ضعيفة جداً أمنياً، وهذا الشيء الذي لا يمكن تصديقه أبداً». br / ويعد العرض البسيط بأدواته وإمكاناته، أول العروض السورية عن الثورة، لكنه يندرج ضمن سياق تاريخ طويل من التمرد قدمه المسرح السوري، منذ عروض رائده أبي خليل القباني وسعد الله ونوس وغيرهما. ويمكن القول ان عرض «الثورة غداً تؤجّل الى البارحة» ينتمي إلى «مسرح الغرفة» الذي عُرف به المخرج الروسي تايروف، أثناء ثورة اكتوبر 1917. وعلى رغم عدم تجاوز عدد الحضور العشرين شخصاً، فإن التوأمين ملص مُصرّان في الوقت الحالي، على البقاء في الفضاء الصغير لغرفتهما، هرباً من رقابة المسارح الحكومية التي تقف بصمت مطلق امام ما يجري في الشارع السوري. جاءت هذه التجربة بعد ثلاثة عروض لهما، وهي: «ميلودراما» (2009)، و «أنا وحالي لحالي» الذي عرض ضمن تظاهرة مسرح الغرفة الاولى (2010)، و «كل عار وأنت بخير» (2011).