تجمّع أكثر من مئة مثقف ومثقفة مع شموعهم أمام السفارة المصرية في دمشق، في 28 كانون الثاني الماضي، للتضامن مع شهداء الثورة المصرية، لكن قوات الأمن فرقتهم بعد دقائق من دون استخدام الهراوات. وكان دعا إلى هذه الوقفة خمسة صحافيين من طريق صفحة على «فايسبوك»، واستمرت الدعوة حتى 3 شباط، يوم حاول المتضامنون الاعتصام أمام مبنى مجلس الشعب، لكنهم لم ينجحوا لكثافة الوجود الأمني. واعتقلت الفنانة التشكيلية هبة الأنصاري، والصحافي أحمد صلال لساعات عدّة، كما اعتقل الروائي عبدالناصر العايد لمدّة أسبوع. بعد تلك الحادثة، غنّى الأشخاص أنفسهم، وللمرة الأولى في دمشق: «إذا الشعب يوماً أراد الحياة»، أمام مبنى السفارة الليبية، لمطالبة الرئيس الليبي معمر القذافي بالرحيل، ولمساندة الشعب الليبي، وأيضاً تعبيراً عن توقهم للنزول إلى الشارع. وقّعوا بيانات ندّدت بقتل الشعبين المصري والليبي، ثم كان بيان «كُلنا شوايا» هو الأول للمثقفين السوريين في ما يخص الوضع الداخلي السوري، (وشوايا هي التسمية التي تطلق على سكّان ريف الجزيرة السورية شمال شرقي سورية، واستخدم رجال الأمن هذه التسمية في سياق تمييزي). وعبّر البيان عن احتجاج موقّعيه على التعامل العنيف مع المعتصمين خلال اليوم الثاني لاعتصامهم أمام السفارة الليبية، وطالب وزير الداخلية السوري بالاعتذار عن مفردات عنصرية استخدمها ضابط أمن بحقهم. في 16 آذار اعتقل 38 شخصاً في ساحة المرجة أمام مبنى وزارة الداخلية، من بينهم المفكر طيب تيزيني، والشاعر نارت عبدالكريم، وتعرض آخرون للضرب بالهراوات والسحل من قبل عناصر الأمن في الساحة. منذئذ انقسم المثقفون في سورية إلى مجموعات. بعضهم يشارك في التظاهرات أو يُفكّر في قصائد ولوحات داخل زنزانات معتمة، والبعض الآخر يبتسم في اللوحات الإعلانية الطرقية أسفل عبارة تأييد للنظام. وبقيت مجموعة أخيرة صامتة «محايدة» إزاء ما يجرى. ثم خفّفت الفئة المساندة للثورة من المثقفين من مشاركتها الفعلية في التظاهرات لتصنع بدلاً من ذلك أعمالاً فنيّة منحازة للثورة. فخرجت أغنية «يا حيف» للفنان سميح شقير والتي يغنيها اليوم ملايين السوريين في ساحات الاحتجاج. كما ظهرت مئات الملصقات واللوحات، وعشرات الأغاني والقصائد، أبدعها فنانون يعيشون داخل سورية ووقعوا عليها بأسمائهم الصريحة. غيّرت أغاني الثورة مفهوم الأغنية الوطنية، من أعمال ترتبط بشخص الرئيس، إلى موسيقى بعنوان بالحرية تلتصق بالشارع وتُغنَّى في الشوارع والساحات، بعدما كان حضورها مقتصراً على المناسبات الوطنية والحزبية. وبات الكثير من شباب سورية يردد أغنية «اتصال من مندس» التي تنزع عنهم تهمة الخيانة وتؤكد أن لديهم مطالب وأنهم ليسوا «مندسين» كما تصفهم وسائل إعلام سورية. وتنتشر أيضاً أغاني «بدنا نعبي الزنزانات» و «البيان الرقم واحد» وغيرها لموسيقيين رفضوا ذكر أسمائهم خوفاً من مصير صاحب أغنية «سورية بدّا حرية» لمغني الثورة السورية إبراهيم قاشوش الذي ذُبح ورميت جثته في نهر العاصي. وفي مجال الفن التشكيلي خرج مشروع «الفن والحرية» على موقع «فايسبوك» الذي ينشر كل يوم لوحة جديدة خاصة بصفحته، وتحمل التوقيع الصريح لصاحبها، على اعتبار أن الخطوة بحد ذاتها فعل تضامن يحتاجه المواطن والمتظاهر والمعتقل وكل الضحايا، كما تقول إدارة الصفحة. ويُعرّف المشروع عن نفسه بأنه «صفحة مفتوحة لكل الفنانين السوريين والعرب، للتضامن مع الشعب السوري، مع الحرية، ضد العنف. وكل أشكال التعبير التشكيلية المعروفة مرحب بها مثلها مثل وسائط التعبير الفنية الجديدة». وعرض المشروع إلى الآن أعمالاً لأبرز التشكيليين في سورية، مثل يوسف عبدلكي وإدوار شهدا ومحمد عمران ومنير الشعراني وياسر الصافي. كما عمل الفنان بسيم خليل على مشروع «لكل شهيد لوحة» الذي يحاول من خلاله تخليد شهداء الثورة السورية برسم لوحة لكل واحد منهم. أما في مجال المسرح، فقدّم الأخوان محمد وأحمد ملص «الثورة غداً تؤجل إلى البارحة»، يتمحور العمل المسرحي حول العلاقة بين المتظاهر المعتقل وعنصر الأمن، مع العلم أن الأخوين يعيشان التجربة الآن إثر اعتقالهما قبل أيام من حي الميدان الدمشقي خلال مشاركتهم في تظاهرة المثقفين. ولا يزال جسد المخرج المسرحي أسامة غنم، الذي خرج من سجن الأمن السوري أخيراً بعد اعتقاله من حي الميدان نفسه لمشاركته في تظاهرة تطالب بالحرية، يحمل آثار الاعتقال. ويعمل أسامة منذ أسابيع على مسرحية «المنشق» التي يتناول فيها تفاصيل حياة مراهق ووالدته في محاولة لإسقاطه على الواقع السوري الحالي. واليوم تُفكر الفنانة مي سكاف، من زنزانتها، في سورية مختلفة، على رغم اعتقالها مع أكثر من 30 مثقفاً ومثقفة من تظاهرة للمثقفين الأربعاء الماضي في حي الميدان، ومن بينهم المخرج السينمائي نضال حسن والصحافي إياد شربجي والمصورة غيفارا نمر والسينمائية ساشا أيوب. وكانت تظاهرة المثقفين خرجت لتقول إنه «آن الأوان كي نقول كلمتنا في هذا المقام، وأن ننزل إلى الشارع إلى جانب إخوتنا الذين قدّموا من دمائهم وعذاباتهم... هذا الحقّ الذي أقرّته الشرائع السماوية والمواثيق العالمية. وعليه، فقد قررنا نحن المثقفين السوريين الخروج في تظاهرة سلمية»، وفق بيان نشروه قبل خروجهم. مع العلم أن عشرات المثقفين مرّوا قبلهم، خلال الشهور الأخيرة، على السجون، ولا يزال بعضهم مغيباً، كالصحافي عمر الأسعد الذي اختفى من أمام بيته في ريف دمشق منذ أسبوعين.