لم يكن المقهى والمطعم الشهير «غروبي» في منطقة ميدان طلعت حرب باشا في وسط العاصمة المصرية القاهرة، مجرد مطعم أو مقهى، إنما كان مشروعاً ثقافياً يرسي ذوقاً ويرسخ تقاليد جديدة، وعُد مركزاً من مراكز الحداثة، إذ شهد إقامة الحفلات الراقصة واستضافة الفرق الموسيقيّة، واحتضنت الحديقة الخلفية للمقهى شاشة العرض السينمائية المتحركة لعرض أحدث الأفلام آنذاك. ويمتاز «غروبي» بالنمط المعماري الكلاسيكي القديم، إذ شيده السويسري جاكومو غروبي حين جاء إلى مصر في ثمانينات القرن التاسع عشر، ليقيم إمبراطوريته التي بدأها بمطعم ومحل لبيع الحلوى عام 1891 في شارع عدلي الشهير في وسط القاهرة، وتحمل خمسة أفرع الاسم نفسه في مناطق عدة منها في منطقة روكسي في شمال القاهرة، فيما فروع أخرى في محيط منطقة وسط القاهرة تحمل اسم «أميركن» (وهو المحل الذي كان يقدم الفطائر السريعة والأكلات على الطريقة الأميركية). وعُد «غروبي» واحداً من أول المقاهي التي أدخلت الطراز الأوروبي إلى مصر، وكان له الأسبقية في تقديم أنواع جديدة من الحلوى التي لم تكن معروفة في مصر آنذاك مثل «مارون غلاسيه» و «كريم شانتيي» و «جيلاتي» و «ميل فوي» و «إكلير» و «بُول دو شوكولاه». كما أدخل «غروبّي» إلى مصر أنواعاً جديدة من الشوكولا والعصائر المركزة والمربى والجبن، وكرات مثلجة من الحليب والشوكولا وعصير الفواكه وغيرها من الحلوى الأوروبية. بحروف عربية وأخرى لاتينية كُتب اسم «غروبي» فوق اللافتة الخاصة بالمقهى منذ نشأته، وعزز النمط المعماري المُشيد به كونه أحد الأماكن التي أعتاد الصفوة التردد إليها في القرن الماضي، وهذا ما أضفى على «غروبي» طابعاً خاصاً وجعله مختلفاً عن المحال الحديثة. وساعد على ترسيخ العراقة والأصولية والكلاسيكية التي يمتاز بها «غروبي» في أذهان زبائنه، توثيقه في عشرات الأفلام المصرية القديمة المنفذة بتقنية الأبيض والأسود، إذ استضاف المقهى تصوير بعض المشاهد داخله، في أفلام «العتبة الخضرا» و «يوم من عمري» و «حلاق السيدات» وغيرها من الأفلام، كما ساهم الزي الرسمي للعاملين في المقهى والمحل في الحفاظ على الطابع الكلاسيكي في الشكل والمضمون. كان أجانب يديرون المحل حتى عام 1981، قبل أن تشتريه الشركة العربية للأغذية، وتبقي نشاطه وطرازه حتى اليوم. أما أسعار «غروبي» فلا تختلف كثيراً عن مثيلاتها في المحلات الأخرى، ويعج المتجر في أوقات الأعياد والمناسبات بالزبائن لشراء الحلوى الموسمية من كعك وخلافه. الإيطالية مارلين (من سكان منطقة ميدان التحرير) قالت ل «الحياة»: «أنا وزوجي من رواد هذا المقهى منذ أكثر من 70 عاماً، ولا تزال لديّ الرغبة في استعادة ذكرياتي والحنين إلى حقبة رائعة عاصرتها في مصر». ينتظر رواد «غروبي» الآن عودته عقب عملية التجديد التي بدأت قبل أيام لتحوّله إلى وجهة ترفيهية أساسية في المنطقة خلال ستة أشهر. وتشمل عملية التجديد عودة المقهى إلى العمل بكامل أقسامه (الغاليري، صالة الشاي، المطعم)، مع تحديث كامل للخدمة والمنتجات.