تعد الجالية اليونانية في الإسكندرية أكبر الجاليات عدداً. فمنذ عام 1830، اندمج اليونانيون في المدينة الكوزموبوليتانية، وكان أكثر أعضائها أصحاب محال شهيرة، مثل حلوانى بودرو، ملتقى كبار الأدباء والشعراء والفنانين ورجالات السياسة والقانون، وأميرات أسرة محمد علي (التي حكمت مصر حتى قيام ثورة 1952)، بموقعه الذي يشكل القلب النابض للمدينة تجارياً واجتماعياً في شارع سعد زغلول، حيث تدعوك واجهته الكلاسيكية الأنيقة للاستمتاع بنغمة يونانية ساحرة تعبق برائحة الماضي. عندما تسير فى شارع سعد زغلول، تستوقفك رائحة الفطائر والكرواسون الساخن بشرائح الجبن اليوناني الشهير (الريكوتا والمزيترا والميتسوفون والمانوري) المصنوعة من لبن الماعز مع شرائح الطماطم بزيت الزيتون. وتستقبلك لوكيا ديمتري بابتسامة رقيقة بملامحها اليونانية الممزوجة بصبغة زعفران شاطئ الإسكندرية. وتحار مخيلتك في اختيار المكان الذي تجلس فيه فيشدك الانبهار لتفحص المكان وديكوراته الداخلية والتي تعكس صورة لنوستالجيا الإسكندرية القديمة حيث الرقي والفخامة. وعند التهامك الفطائر تشدك رائحة الحلويات اليونانية الشهيرة التي تفوح من المكان كفطيرة الشوكولا بالكراميل وحلوى الفيلوجريس والمرزبان المصنوع من العسل، وفطائر «الذيبلا» المحلاة بالعسل، و «حلويات الملعقة» المصنوعة من الفواكهة والفانيلا والسكر، وتقدمه لوكيا نفسها في طبق صغير مع ملعقة للدلالة على حسن الضيافة والترحيب. تقول لوكيا جورج ديمتري بيرليس، صاحب ومدير بودور: «لا يزال حلواني بودرو نكهته الخاصة بين الجاليات الأجنبية، فجدران المكان تحكي ذكريات الزمن الجميل حيث تلاقت عادات وتقاليد اليونانيين والسكندريين الذين يحملون نفس الطبائع والعادات تقريباً، ما خلق ألفة شديدة بينهم». وعن تأثير اليونانيين في الإسكندرية تؤكد لوكيا أنه ما زالت الكثير من الأحياء تحمل أسماء يونانيين مثل منطقة جليم نسبة لباني الحي وهو جليمونو بوليس، وزيزينا نسبة للكونت زيزينياس تاجر القطن. وجناكليس صاحب مزارع العنب ومصانع التقطير، وأنطونيادس البارون اليوناني، صاحب الحدائق الشهيرة التي تحتوي مجموعة نادرة من التماثيل الرخامية لآلهة الأساطير اليونانية. وعن تاريخ المحل تقول لوكيا: «اشترى جدي جورج ديميتري المحل من سيدة إيطالية في شباط (فبراير) من عام 1909 وكان اسم المحل «بوتيت تريانون». وكان جدي من أمهر صناع الحلويات على مستوى العالم، فهو الذي أدخل الكريم شانتييه إلى مصر بعد سفره لباريس وعودته، وكان ذلك يمثل قفزة في تكنولوجيا الحلويات، وتغير اسم المحل إلى بودرو، واشترينا محلاً آخر مع عائلة يونانية هي قسطنطينيدس وبيريكوس يقع تحت فندق متروبول وأصبح لدينا سلسلة من المحلات. وبعد وفاة والدي انفصلنا واحتفظنا بهذا المحل. والمحل بديكوراته العتيقة يتكون من جزءين: صالات للجلوس تحتوى بار للمشروبات والشوكولا وصالات مقسمة تستخدم كمقهى ومطعم، وجزء خلفي هو حديقة تقام بها الحفلات الراقصة مع الموسيقى اليونانية الشهيرة». وتقول لوكيا: «ما زالت رائحة الزمن في جدران المكان حتى بعد تجديده، إذ حاولنا الحفاظ على الشكل التراثي للمكان وما زلنا نحتفظ باللوحات الفنية الأثرية والممهورة بتوقيع فنانيها الأصليين...». وشهدت جدران بودرو الكثير من السجالات والمناقشات حيث كان يرتاد المكان صفوة رجال المجتمع في السياسة والاقتصاد والأدب والفن منهم نجيب الريحاني وبديع خيري ويوسف بك وهبي وسليمان بك نجيب وفؤاد باشا سراج الدين. وفي مجال الصحافة والأدب جراسيموس بند أكس وستراثيس تسيركاس وفورستر وداريل صاحب الرباعيات الشهيرة والشاعر اليوناني كفافيس... وغيرهم. كذلك كانت تجتمع في الصيف أميرات الأسرة الحاكمة كالأميرات فريال وفوزية وفريدة بنات الملك فاروق مع باقي أميرات الأسرة العلوية في فترة بعد الظهر يستمتعون بالقهوة اليونانية مع اللبن المثلج وفطيرة الشوكولا بالكراميل يتسامرون مع أصدقائهم. وما زالت رائحة الحلويات اليونانية التي تفوح من المكان، بمثابة دعوة للمارة للدخول والاستمتاع.