هل تكون «أخيراً» آخر الروايات شبه الشخصية لإدوارد سان أوبن؟ تدور الرواية الخامسة في مسلسل باتريك ملروز في يوم واحد، ويشعره الحدث انه انتظر طوال حياته هذا الحس بالاكتمال. أخيراً توفيت إليانور، والدته الثرية، التي هجرت الأسرة وتركت طفلها الوحيد لوالد طبيب اعتدى عليه مذ كان في الخامسة. يريد أن يعرف. ألم تلاحظ؟ حين أخبرها نافسته على دور الضحية، لكنه يشك الآن في أنه كان ألعوبة في علاقة سادية - مازوشية بين الوالدين. أدمنت الكحول ونوعاً مضحكاً من الإحسان، ووهبت منزل الأسرة الجميل في جنوبفرنسا لمحتال يدّعي الروحانية. وها هي أنيت التي تعمل في مشغل «السير مع الإلهة» في المنزل المفقود تمدح الفقيدة البعيدة النظر. موّلت إليانور مخترعاً كرواتياً يعمل على اكتشاف خلية لا تستهلك الطاقة لإنقاذ العالم، وبيروفيا يدعي أن أجداده الإنكا استخدموا الطاقة الشمسية للاتصال بالثقافة المصرية الأم. «ولكن يجب ألا تظنوا أن إليانور اهتمت فقط بالمراتب السامية للعلم والروحانيات». لا يحزن باتريك على «نهاية العلاقة الحميمة بل على نهاية الشوق الى علاقة حميمة». غدرت والدته به حين تركته لوالده، وحين أعطت شيمص المحتال منزل طفولته وبستان الزيتون المتأرجح بين الأخضر والرمادي. لكنه يتحرّر برحيلها. يدرك أن عليه أن يدع الماضي يمضي، وأن الإرث لا يعني المال وحده، بل الحب والرغبة في الرعاية. وإذ يكتشف أن أمه أورثته مليوني جنيه يضيفها الى المليون الذي يملكه، ويعرف أنها أحبته حقاً. تجمع جنازتها في المحرقة الأثرياء المدّعين والروحانيين المزيفين. خالته الثرية السابقة تلقّت يوماً دعوة من دوق ودوقة وندزور، ورفضت دعوة الى زفاف الأمير تشارلز من زوجته الثانية «الوصولية الشنيعة» لكي تحضر جنازة شقيقتها. نيكولاس برات، صديق والده، لا يدعو الى العشاء إلا قلة مؤهلاتها خلفية عائلية ملائمة أو مظهر باهظ أو قدرة على تسليته. يبعد طفليه عن برات كأنه يحميهما منه ويتمسك بمستقبل معهما في آن. يترك الاحتفال بموت الماضي ويكلّف ماري التي انفصل عنها ان تهتم بالمشيّعين، وهو يشبّهها بممسحة الأرجل. رصد الكاتب الإنكليزي (50 عاماً) في «لا بأس» و «أخبار سيئة» و «بعض الأمل» بين 1992 و1994 ألم باتريك وإدمانه المخدرات ثم الكحول بين الطفولة والشباب. يكتشف أن والده اعتدى على صديق طفولة زاره في بيته، ويحمل الى الامتحان في أكسفورد قلماً أزال خرطوشه لكي يستعمله في شم المخدرات. يسافر الى نيويورك لكي يتسلم رماد والده المتوفى، ويحاول الانتحار. في «حليب الأم» التي رشحت لبوكر في 1996 نراه محامياً أربعينياً يعالج من الإدمان، ويحاول ثني أمه عن وهب البيت الفرنسي لشيمص الذي يثير اهتمامها ب «استعادة الروح». يتزوج ماري، الأم البديلة، لكنها تكرّس نفسها لطفليها وتعزله، فيخونها. يهجو سان أوبن الطبقة العليا المتعالية المزيفة بسمومها التي «تقطر من جيل الى جيل»، لكنه يتجنب إثارة الشفقة وأدب التعاسة، ويعتمد الهجاء الرشيق والدعابة السوداء. نزل الصداقة يقدّم مسرح ألميدا، شمال لندن، «توازن دقيق» الكوميدية التي عرضها إدوارد ألبي أولاً في أميركا في 1966، ونالت بوليتزر في العام التالي. تتناول توباياس وأغنيس، زوجين من الطبقة الوسطى العليا يعيشان في الضواحي مع ضيفتهما الدائمة كلير، شقيقة الزوجة ومدمنة الكحول. يصل فجأة هاري وإدنا، الصديقان القديمان، هرباً من شيء غامض يرعبهما في منزلهما، وتتبعهما جوليا، ابنة توباياس وأغنيس، التي انهار زواجها الرابع وهي في الخامسة والثلاثين. لا يخرج الضيفان من غرفتهما حتى لتناول الطعام، ثم يعلنان أنهما سيذهبان الى البيت للعودة بما يحتاجان إليه. تصارح إدنا جوليا بأن عليها أن تكبر، فتهدّدها وزوجها بمسدس طالبةً منهما الرحيل. تصر إدنا على حقهما في البقاء الى الأبد إذا تطلّب الأمر، وإذ يتحدّث الرجلان على انفراد، يعترف هاري بأنه ما كان يقبل ببقاء توباياس وأغنيس في منزله لو انعكس الوضع. يرد توباياس بما يدعوه الكاتب أغنية أوبرالية قائلاً إنه لا يرغب في الواقع باستضافة هاري وإدنا، لكن الصداقة تعطيهما حق الإقامة عنده. تقول أغنيس إن البشر ينامون ليلاً خوفاً من الظلمة، ولكي يطلقوا شياطينهم ويتركوا العقل يهذي ويجن، لكن النظام يعود مع ضوء النهار. في الثالثة والثمانين، لا يزال ألبي يكتب مسرحياته ويخرجها ويعلّم كل ربيع في جامعة هيوستن. يقول لطلابه ان استرجاع تاريخ المسرح يكشف محاولته تغيير العالم، وينصحهم بالاستماع الى موسيقى باخ لمعرفة تركيب المسرحية. أصغى الى الموسيقى الكلاسيكية قبل العاشرة من عمره، ويحس ربما أنه مؤلف موسيقي نصف الوقت. الصنعة الواضحة في أعماله أبعدته من الواجهة في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وهو يدافع بالاتهام. «الحوار في المسرحيات حقيقي أكثر منه في الحياة اليومية، وهذا ما يجعله يبدو مصطنعاً. سجّل حوار ساعة مع أصدقائك، وكلّف ممثلين بتأدية الأدوار على خشبة المسرح. هل تعلم ما سيقوله الحضور؟ لا أحد يتكلّم هكذا». يؤمن بأنه انتُقد لأنه لم يكرّر كتابة «من يخاف من فرجينيا وولف». يعود الى أعماله في فترة النقد ويراها كلها مثيرة للاهتمام كأي مسرحية ألّفها قبل وبعد ولكن بطريقة مختلفة. «لا تستطيع التفكير ما إذا كنت على الموضة أم لا، لأنك تتوقف عندها عن الكتابة بطريقتك. يجب ألا تصبح موظفاً حين تكتب». ذكرى طاغور ينشد البنغاليون أغاني رابندرانات طاغور في بداية السنة وأعياد الميلاد وعشية هبوب الريح الموسمية، لكن أول آسيوي نال نوبل في 1913 بات منسياً منذ زمن طويل. كتب الشعر والرواية والقصة والأغنية والمقال والنشيدين الوطنيين الهندي والبنغالي، وتقول مواطنته الكاتبة تميمة أنَم إنه كان مزيجاً من شكسبير والبيتلز لمن أحبه في بلاده. في الذكرى المئة والخمسين لولادته (7 أيار (مايو) 1861) تسترجعه بلدان عدة منها بريطانيا، التي نظمت ندوات ومحاضرات، وهولندا وبولندا وألمانيا. كان الإبن الأصغر في أسرة ثرية من أربعة عشر ولداً، وأسّس جده شركات للقاطرات العاملة على البخار ومناجم الفحم. كان من المقربين الى الملكة فيكتوريا، وتوفي في إنكلترا حيث دفن. في زيارة رابندرانات الثالثة الشهيرة الى لندن في صيف 1912 ترك مخطوطة شعر مترجمة الى الإنكليزية في القطار. وجدها ونشرها مع مقدمة للشاعر وليم بتلر ييتس في ربيع 1913، ونال نوبل الأدب في خريف العام نفسه. فترت حماسة الشاعر البريطاني بعد ذلك، وفي منتصف الثلاثينات لعن طاغور وقال إن هراء هذا العاطفي دمّر سمعته. ينفي نقاده أي قيمة لشعره، لكن محبّيه يحمّلون الترجمة المسؤولية، وتبدو قصصه ورواياته أكثر حداثة وجاذبية وقتاماً من قصائده التي سادتها حكمة شرقية عقيمة. ترك لبلاده أول جائزة نوبل ينالها غير أوروبي، وجامعة ومشاريع زراعية، وتمسّك بالعلمانية رافضاً الإرهاب في مجزرة أمريتسار التي أمر فيها الجنرال داير جنوده بإطلاق النار على متظاهرين عزّل، وتراوح عدد الضحايا بين 379 وفق بريطانيا وألف وفق الهند. تعاطف مع النساء في مجتمع أبوي ظالم، وفي رواية «العش المكسور» المترجمة أخيراً عن راندوم هاوس إنديا، تعاني شارولاتا من الوحشة في البيت الكبير بعد هجر زوجها لها. تجد العزاء في شقيقه أمل الذي يشاركها حب القراءة والكتابة الى أن ينشر كل منهما عمله وتفرّقهما الشهرة. بعد أن تذوّق أمل طعم الاحتفاء لم يعد مهماً أن ينقص عدد المهلّلين واحداً. حين يدرك بوباتي أن زوجته تحب شقيقه ويقرّر مسامحتها، لكنها ترفض العودة اليه بكلمة واحدة: «دع عنك». حقّق المخرج البنغالي الرواية فيلماً، واستعاض عن نهايتها الموجعة بلقطة يمدّ فيها كل من الزوجين يديه نحو الآخر. في قصة «العقاب» يقتل مزارع زوجته فيقنع شقيقه شركته بالقول إنها الجانية: «إذا خسرت زوجتي أحصل على غيرها، لكن كيف أعوّض شقيقي إذا شُنق؟». يحضّها على التمسك بالدفاع عن النفس سبباً للجريمة، لكن شندارا تقول للقاضي إنها لم تُستَفز ويحكم عليها بالإعدام. تعاقب زوجها لتفضيله شقيقه عليها، وترفض أن يزورها قبل تنفيذ الحكم قائلة: «فليذهب الى الجحيم». في «شيترانغادا» المقتبسة من الملحمة الهندوسية «مهابهاراتا» تنشأ الأميرة نشأة الفتيان لكي تخلف والدها ملك مانيبور، وتحب المقاتل العظيم أرجونا حين تراه يصطاد. تطلب من إلهتها أن تحولها فتاة رائعة الحسن فيعشقها، لكنه يفتن بشخصيتها الأخرى حين يراها تقاتل أعداء المملكة. تكشف حقيقتها له فيتزوجها.