لنفترض، لحظة، ان التهم الموجهة الى المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس - كان في نيويورك صحيحة. ولنفترض ايضاً ان ستروس - كان فعل ما فعله في فرنسا. فهل كان يمكن ان نراه مكبل اليدين يقوده رجلا شرطة الى قاضٍ يرفض الافراج عنه، ولو بكفالة تبلغ مليون دولار؟ الأرجح لا. ليس لأنه في الامكان لفلفة القضية، كما حصل بالنسبة الى صحافية رغبت في اجراء مقابلة معه في باريس وتعرضت الى ما تعرضت له خادمة الفندق في نيويورك. وليس لأن النفوذ السياسي للرجل يمكن ان يحمل اي قاضٍ على ضرورة معاملته معاملة اكثر لياقة. بل، وببساطة، لأن ثمة ثقافة وقوانين فرنسية مغايرة لتلك السائدة في الولاياتالمتحدة، ومتسامحة الى حد بعيد مع كل ما يتصل بالحياة الخاصة، حتى لو كانت من نوع التحرش الجنسي. وتحفل الحياة الفرنسية بقصص سياسيين كبار، تتعلق بعلاقات جنسية خارج الزواج والخيانات الزوجية، واخرى تزاوج بين المال واستغلال النفوذ والجنس. وفي اي منها، لم تجرِ تحقيقات عميقة ولم تصدر احكام الا في حالات نادرة تتعلق بجريمة قتل متصلة بهذا النوع من السلوك. وفي الجمهورية الخامسة، هناك حالتان شهيرتان تتعلقان برئيس للجمهورية، من دون اغفال ان رؤساء آخرين وردت اسماؤهم في شكل او آخر بعلاقات خارج الزواج. الاولى في ظل الراحل جورج بومبيدو عندما ورد اسم زوجته في قضية جنس ومخدرات الى جانب اسم الممثل الوسيم ألان دولون، وأحيلت على المحاكمة لانها انطوت على مقتل سائق الاخير. والثانية في ظل الراحل فرنسوا ميتران الذي تميز عهده بالسر الأكثر شيوعاً في فرنسا حينذاك، وهو ان له ابنة من علاقة خارج الزواج تعيش في كنفه. هكذا، ليس في التقليد الفرنسي اي محاسبة جدية لهذا النوع من السلوك. لا بل يمنع قانون حماية الحياة الخاصة من تداول مثل هذه المعلومات، ويفرض على القاضي عدم كشفها امام الصحافة في مرحلة التحقيق حفاظاً على الحياة الخاصة. اي في كل الاحوال، لن يكون مثل هذا السلوك عرضة للتشهير والمحاكمة القاسية. في موازاة ذلك، تُعتبر صفة زير النساء والغاوي صفة ايجابية في فرنسا. وهي لا تثير تساؤلاً عن مدى ضرورة ان يكون رجل السياسة طهرانياً في سلوكه الشخصي. لا بل يمكن القول ان مثل هؤلاء قلة. اذ ان هذه الصفات قد تكون عنصر جذب للمعجبين والناخبين. ستروس - كان ابن هذه الثقافة وأحد ممارسيها، ربما ببعض المغالاة. ولم يتمكن من التفريق بين هذه الثقافة والطهرانية الاميركية، بدليل قصته مع احدى الموظفات في صندوق النقد. وربما كان دفع منصبه، لدى انفجار هذه الفضيحة، لولا الحاجة الماسة اليه والاستفادة من كفاءاته في مجال عمله. يعترف جميع اصدقاء ستروس - كان ومعارفه ان الرجل يحب النساء ولا يتردد في اغوائهن فور توافر الفرصة. وهم في ذلك يسعون الى استثمار الجانب الايجابي من الثقافة الفرنسية في هذه القضية. خصوصاً انه كان المرشح الاشتراكي المحتمل الوحيد الذي ينزل هزيمة بالرئيس نيكولا ساركوزي في انتخابات الرئاسة السنة المقبلة، بحسب كل الاستطلاعات. فالرجل صاحب كفاءة فعلية اثبتها خلال توليه مناصب وزارية في فرنسا، وفي ادارته للازمة المالية العالمية ووضع خطط الانقاذ المالي خصوصاً في الاتحاد الاوروبي. وثمة رهان اساسي على حضوره في الانتخابات الرئاسية لعودة الاشتراكيين الى الحكم في فرنسا. لكن هؤلاء الاصدقاء يعترفون في الوقت نفسه ان العدو الرئيس لستروس - كان هو ستروس - كان نفسه. لقد سقط، ليس في امتحان البذخ والحياة المترفة فحسب، وانما ايضاً في اطلاق نزواته الشخصية الى الحدود القصوى. وبدا، لدى مثوله امام القاضية في نيويورك، مذهولاً ازاء ما يحصل له. ما قد يشير الى انه فقد السيطرة على نفسه واندفع نحو قدره المحتوم. سقط ستروس - كان ضحية ثقافة وضحية نفسه. وكان سقوطه نتيجة لتزاوج هذه الثقافة ونزواته المنفلتة من كل عقال وضبط.