اختلف رقاة ومختصون في الشريعة عما إذا كان الإنسان يحسد نفسه، إذ امتنع بعض الرقاة عن الإجابة، وعمل بعضهم بعبارة «من قال لا أدري فقد أفتى»، في حين أكد آخرون وقوع ذلك، وقصوا قصصاً وتجارب. وجاء الاختلاف أيضاً على تعريف الحسد، بين تعريفه على أنه تمني زوال نعمة الله على الغير، أو الحسد كراهة ما أنعم الله به على غيره، وقيل إنه نظرة تصيب الإنسان عندما تكون أمامه وتسمى «عين»، في حين رأى بعضهم أن الحسد ربما يصيب الإنسان عن بعد. لكن هل يصيب الإنسان نفسه بالعين؟ يؤكد الراقي وليد عبداللطيف الذي يقطن مكةالمكرمة أن «الإنسان قد يصيب نفسه بالعين»، ودلل على ذلك بإحدى الحالات التي عالجها من خلال الرقية، «أحد المشائخ يعمل معلماً في حلقات القرآن وأعجب بصوته أثناء القراءة وأصاب نفسه بالعين من دون أن يعلم». وأضاف ان الشيخ نفسه أتاه يشتكي إليه اختفاء صوته عندما يصلي بالناس في المسجد، خصوصاً في الصلوات الجهرية، «صوته يختفي أثناء القراءة وذهب لعدد من الأطباء لكنهم عجزوا عن علاجه»، مشيراً إلى أنه قام برقيته حتى منّ الله عليه بالشفاء من اختفاء الصوت. وأوضح أن الإنسان قد يصيب نفسه عندما يكون غير «ذاكر» للأدعية ، مشيراً إلى أن إصابة الإنسان نفسه بالعين والحسد أمر طبيعي ويحدث في أكثر من مرة وهناك أدلة شرعية على ذلك. فيما وصف البعض أن يحسد الإنسان نفسه ب «الحسد عن قرب» وهو مرادف للحسد عن بعد وهو الذي قد يصيب الإنسان من شخص آخر قد يكون بعيداً عنه مكانياً تماماً. كذلك قال أبو محمد وهو أحد الرقاة في محافظة جدة: «الإنسان يمكن أن يحسد نفسه، إذا وجد سبباً ولم يوجد مانعه، فسببه نفس خبيثة تكون بالإنسان». وأضاف: «يجب على الإنسان عندما يرى ما يعجبه في نفسه أو أهله أو ماله أو غيره من المسلمين أن يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله»، مشيراً إلى أن على المسلم أن يُحصِّن نفسه بالبعد عن المعاصي وبالحرص على الأذكار في الصباح والمساء والدخول والخروج. في المقابل، كان للراقي سالم اللحوقي الذي يعمل راقياً منذ 15 عاماٍ رأي آخر «لم أرق إنساناً حسد نفسه»، لكنه لم ينف حصول ذلك، مكتفياً بالقول: «لا أعلم». من جهته، أوضح الباحث الشرعي عطية الحارثي أن الحسد هو تمني زوال النعمة عن المحسود، وإن لم يصر للحاسد مثلها، مشيراً إلى أن هناك أنواعاً للحسد أبرزها كراهة للنعمة على المحسود وهذا هو الحسد المذموم، وأن يكره فضل ذلك الشخص عليه، فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه وهذا يسمى «غبطة». وأضاف: «هناك مراتب للحسد تتلخص في تمني زوال النعمة عن الغير، أو أن يتمنى زوال النعمة ويحب ذلك وإن كانت لا تنتقل إليه، وأن يتمنى زوال النعمة عن الغير بغضاً لذلك الشخص لسبب شرعي، وألا يتمنى زوال النعمة عن المحسود ولكن يتمنى لنفسه مثلها، وإن لم يحصل له مثلها تمنى زوالها عن المحسود حتى يتساويا ولا يفضله صاحبه، وأن يحب ويتمنى لنفسه مثلها، فإن لم يحصل له مثلها فلا يحب زوالها عن مثله وهذا لا بأس به. وحول الأسباب التي تؤدي إلى الحسد أوضح الحارثي، أن أبرز الأسباب التي تكون من الحاسد هي العداوة والبغضاء، والحقد، وحب الدنيا، والتعزز والترفع، وحب الرئاسة، وظهور الفضل والنعمة على المحسود، مشيراً إلى أن المحسود قد يشارك الحاسد في أسباب منها الكبر، وشدة البغي، وكثرة التطاول على العباد، والمجاورة، والمخالطة. ولفت إلى انه يجب على المحسود سواء من نفسه أم من الناس الرجوع إلى الله وتجديد التوبة مع الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه والتوكل على الله، والاستعاذة بالله وقراءة الأذكار الشرعية، ودعاء الله بالوقاية من الحسد، والعدل مع الحاسد وعدم الإساءة إليه بالمثل، والإحسان إلى الحاسد، والرقية، وعدم إخبار الحاسد بنعمة الله عليك.