الحسد مرض جمع بين علاقتي النفس والاجتماع، وصاحبه ذو شخصية تأكل نفسها بنفسها لما حرمت منه في العادة ورأته عند الآخرين وتتمنى زوال تلك النعمة التي حرمت منها عن غيرها، والحاسد في حقيقته لا يرضى أن يكون الناس من حوله أفضل منه، كما لا يرضى أن يعمل لما وصلوا إليه، همه تتبع ما أفاء الله على غيره، والوقوف أمامها بنفسية مرضية حاقدة. ولا شك أن الإسلام حدد موقفه من الحسد في أكثر من موضع من آيات القرآن الكريم، وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.. مع كل ذلك، وفي مجتمع مدين إلا أن تحريم الحسد لم يقف ضد النفوس الحاسدة التي تكره نجاحات الآخرين وتتمنى زوال ما أفاء الله عليهم من نعمه.. «الرسالة» تحاول بحث تداعيات هذا الداء النفسي، من موقف شرعي ونفسي واجتماعي في ثمايا هذا الاستطلاع: ويؤكد الباحث الشرعي الدكتور محمد بن مطر أن الحسد مرض عضال وداء فتاك ما حل بأمة أو بمجتمع أو بأسرة إلا ولازمهم الخراب والدمار قال صلى الله عليه وسلم: (دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء وهي الحالقة لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين)، مشيرًا إلى أن الحاسد يمرض ويُهلك نفسه لأنه لم ولن يرض عنها ولا عن غيرها فيصبح ويمسي ويقوم ويجلس وهو كاره للجميع، وبداية الحسد الكبر فيرى المرء نفسه أنه أفضل من غيره بل أنه أفضل من الفضلاء الذي فضلوا عليه ببعض النعم ثم يستشري فيه المرض فيكون رياء، فيفعل الأشياء مراءاةً للناس ثم يستشري المرض إلى أن يكون حسدًا، وإذا أصبح حاسدًا فيخشى عليه الخروج من الملة لأنه منتقد لله في حكمته وعدله وإنصافه، والحاسد لن تبقى له حسنات لو استمر في غيه لأن حسده سيأكل حسناته، والمؤمن قد يبتلى ببذرة الحسد فعليه أن يطردها قبل استفحالها بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ومن شر النفس الأمارة بالسوء والتسليم لله بقضائه وقدره وبذل الأسباب المفضية إلى جلب المنافع. مشكلة عصرية ويرى الأخصائي الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية بمكة المكرمة جابر بن محمد الفاهمي أن الحسد قد يتحول إلى أداة تدمير هائلة للنظم الاجتماعية، فالحسد أصبح مشكلة في مجتمع العصر الحديث، وأن للحسد مشاكله وتأثيراته في عصرنا هذا، لافتًا إلى أن دراسات حديثة تؤكد أن النساء أكثر قابلية للشعور بالحسد؛ لأنهن عادة لا يتمتعن بحقوقهن كاملة والطريف أن هذا الحسد لا يوجه إلى الرجال لأنهم أكثر تمتعًا بالحقوق من النساء، وأن الحسد كان دائماً صفة إنسانية لا علاقة لها بالمجتمع الحديث وأن الانسان حيوان اجتماعي يشكل صورته عن نفسه بمقارنتها بالآخرين، وأن الرفض الاجتماعي للحسد قديم قدم الحسد نفسه حيث أنه أحد الخطايا السبعة التي وضعها البابا (جريجوري) في القرن السادس الميلادي ولكن الحسد احتل مكاناً بارزاً في المجتمع الحديث، ولكن عادة ما يوجه الفرد العادي شعوره بالحسد تجاه الطبقات الأعلى أو الأكثر ثراء من صفوة المجتمع، رغبة من أنه يصبح مثلهم وهنا يخلق الشعور بالحسد ديناميكية اجتماعية في المجتمع، ولكن في حالة إتساع الهوة بين هذه الطبقات قد يؤدي الأمر إلى تصدع النظام الاجتماعي، كما يؤدي إلى نمو شعور الطموح الحاقد الذي يؤدي إلى شلل اجتماعي يظهر في نمو مشاعر الحسد المصحوب بالعنف ولكي يعي الفرد بوجود مثل هذا الشعور داخله عليه أولاً أن يملك نظرة واعية واقعية لنفسه. مشاعر حرمان وعن الآلية النفسية لدى الحاسد والمحسود يشير الأخصائي النفسي حسن العتيبي إلى أن المحسود يجد في الحسد تفسيرًا لنكبة فجائية حلّت به أو ضررًا أصابه في ممتلكاته، أو زوال ما كان يحظى به من جاه أو امتياز. والتفسير بالحسد يرضي المحسود ويرتاح له بينه وبين نفسه لأنه يشعره بامتيازه عن الآخرين، ويقوم في الوقت نفسه بإسقاط المهانة الذاتية والنوايا العدوانية على الحاسد، فيما يقوم الإنسان المحروم (الحاسد) بإسقاط رغبته الذاتية الدفينة في سلب الآخر ما يتمتع به من حظ، وتمنيه لامتلاك دور المحظوظ، نابعة من عقدة النقص والخواء الداخلي ومشاعر الحرمان، ومع أن الحسد له صفة طبقية، فالحاسدون هم طبقة المحرومين، والمحسودون هم طبقة الأغنياء، إلا أنه يمارس أيضًا بين أفراد الطبقة الوسطى والكادحة، مرجعًا عدم معرفه التفسير الحقيقي لكثير من الأشياء إلى القصور في الربط بين الأسباب والنتائج، مؤكدًا أن الحاسد شخصية عانت من الحرمان لفترة من الزمن نشأ بها التطلع لما لدى الآخرين برغبة داخلية تكون معلومة في الكثير ومجهولة في القليل ممن يصدر منهم هذا السلوك تعتليها رغبة داخلية ملحة لتقمص ذاك الشيء والاستحواذ عليه بغض النظر عن واقع من يقع عليه الحسد فهو اختيار في حالة مرغوبة وليس فى شخص بعينه، إنما تقع على شخص كونه هو بعينه في مرمى نفس الحاسد أي أن الحسد لا يصيب كل من هو جميل ولا كل من هو غنى إنما من وقعت عليه العين وقت الرغبة في استحواذ الحاسد على هذه النعمة فهي شرط بين مكان وزمان متداخلين بينهم اتصال مباشر لحظي.