هدّد مشرّعون جمهوريون وقادتهم في مجلسي الشيوخ والنواب بحرمان إدارة الرئيس باراك أوباما من إمكان الاقتراض محلياً وخارجياً لتمويل عجز موازنتها المالية الضخمة، ما لم يوافق البيت الأبيض على خفض تريليونات الدولارات من الإنفاق الحكومي في المديين القصير والمتوسط، لمكافحة الدين الفيديرالي الذي بات يهدد الجدارة الائتمانية السيادية للولايات المتحدة. وتجاهل التهديد الصادر في شكل صريح عن رئيس الأقلية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل، وأكد فحواه رئيس مجلس النواب جون بونر بعد مشاورات مع الرئيس أوباما نهاية الأسبوع، تحذيراً أطلقه وزير الخزانة تيموثي غايتنر، من أن فشل الكونغرس في رفع سقف الدين الفيديرالي قريباً «سيكون له آثار مالية اقتصادية كارثية». ويرتبط التهديد والتحذير العنيفين بسعي الإدارة إلى الحصول على تفويض جديد من الكونغرس، يسمح لها بإصدار صكوك سيادية لتمويل عجزها المالي ووفاء التزاماتها تجاه مقرضيها من المستثمرين المحليين والدوليين. وحذّرت من أنها مقبلة على استنفاد تفويضها الحالي الذي يقفز بالدين الفيديرالي إلى 14.3 تريليون دولار، ما يعادل القيمة الإجمالية الحالية للناتج المحلي الأميركي، في موعد قريب لا يتجاوز اليوم. وعلى رغم اعتراف غايتنر بأن وزارته مخولة اتخاذ ما يكفي من الإجراءات الاستثنائية للانتظار شهراً أو شهرين على الأكثر قبل الحصول على التفويض المطلوب من دون مخاطرة تذكر، استخدم عبارات لم تستخدم من قبل، للتحذير من وضع اعتبره أيضاً سابقة من نوعها في تاريخ أميركا يتلخص في عجز الحكومة الفيديرالية عن النهوض ب «التزاماتها القانونية»، وهو ما يرقى فعلياً إلى حال إفلاس تقليدية بكل ما يعنيه المصطلح من معنى وما يترتب عليه من نتائج. وعدد غايتنر بعضاً من النتائج الكارثية المترتبة على فشل الكونغرس في إصدار تفويض رفع سقف الدين الفيديرالي: «تفجير أزمة مالية ثانية وإعادة الاقتصاد الأميركي إلى هاوية الركود ورفع كلفة الاقتراض العقاري والنشاط الائتماني عموماً، ما من شأنه أن يدمّر المدخرات التقاعدية للمواطنين، وأن يفاقم أزمة قطاع السكن ويؤثر سلباً ليس على الدولار فحسب بل على (ميزة) الملاذ الآمن التي تحظى بها الصكوك السيادية (الأميركية) وسندات الخزانة الأخرى». لكن رئيس مجلس النواب أطلق، مدعوماً بمعارضة 70 في المئة من الجمهوريين، رفع سقف الدين الفيديرالي، وفق ما أعلنت مؤسسة «غالوب» الجمعة الماضي، تحذيراً مضاداً منبهاً إلى أن «رد فعل الأسواق سيكون أشد خطورة في حال فشلت واشنطن في السيطرة على الإنفاق»، لافتاً إلى اتخاذ مؤسسة التصنيف الائتماني الأميركية «ستاندرد أند بورز» أخيراً خطوة تعتبر سابقة بخفض نظرتها المستقبلية إلى السندات الأميركية السيادية (الطويلة الأجل) من مستقر إلى سالب. وتهدد الكارثة المالية الاقتصادية التي حذر منها وزير الخزانة ما يزيد على 11 تريليون دولار من الأموال الأجنبية المستثمرة في الأصول المالية الأميركية، من الصكوك السيادية وسندات الشركات وأسهمها، فضلاً عن نحو 10 تريليونات من رؤوس الأموال الأجنبية الإضافية. وتضطلع الصكوك السيادية التي تنفرد بأكبر حصة من الاستثمارات الأجنبية في الأصول المالية الأميركية (35 في المئة)، بدور متعدد الغرض. فهي لا توفر للعشرات من البلدان الناشطة في التصدير إلى السوق الأميركية وسيلة تتمتع بدرجة عالية من الأمان والسيولة لاستثمار فوائضها التجارية فحسب، بل تساهم في 60 في المئة من متطلبات تمويل العجز المالي الفيديرالي مانحة رأس المال المحلي بذلك فرصة يُحسد عليها لتمويل نشاط الشركات الأميركية محلياً وخارجياً. لكن وزير الخزانة لم يحاول التخفيف من الأثر المدمر لاحتمال إفلاس الحكومة، على جاذبية الأصول المالية الأميركية لرأس المال الأجنبي. وكشفت وزارة الخزانة الأسبوع الماضي، أن رصيد الاستثمارات الأجنبية في السندات والأسهم الأميركية سجل زيادة قياسية بلغت نحو تريليوني دولار في 12 شهراً حتى منتصف عام 2007، لكنه انخفض بنحو 700 بليون مع انفجار أزمة المال وانكماش الاقتصاد الأميركي في الفترة التالية ولم يتعافَ، مرتفعاً بنحو 900 بليون، إلا بعد انحسار الأزمة المالية والاقتصادية في الشهور ال 12 المنتهية منتصف عام 2010. وشهدت الاستثمارات العربية في الأصول المالية الأميركية تطورات مشابهة، إذ بعدما بلغت قيمتها 430 بليوناً نهاية حزيران (يونيو) عام 2007 انخفضت إلى نحو 390 بليوناً مع انفجار أزمة المال في الفترة التالية، ثم ارتفعت مجدداً إلى نحو 400 بليون في الفترة المنتهية في حزيران عام 2010.