عندما تفقد المعلومة، تطل «النظرية» برأسها. هذه هي القاعدة العقلية الأولى في العالم، ومن هنا تبدأ النظريات بالتوالد حول «المجهول» أو «غير المحسوس» لدى الإنسان، لكن تبقى تلك النظريات - مهما تكاثرت - غير جازمة، لأنها تبقى فرضية حتى يمكن إثباتها عملياً. وبقدر ما كانت «الميتافيزيقيا» أو «ما وراء الطبيعة» بحسب الترجمة العربية للمصطلح، تحمل وراء حروفها مساحات شاسعة للتأمل وفرض الفرضيات وكتابة المجلدات من الفلاسفة والمفكرين على مر العصور، وباختلاف الديانات والحضارات، إلا أنها مثلت أيضاً «سجناً» لأولئك العامة، الذين كانوا ينسجون حول «ما لا يرى ولا يحس» الأساطير والملاحم، ويحولون أسطرها إلى قضبان تحبسهم في أوهام اختلقوها أو اختلقها من كان قبلهم. في كل الحضارات والأديان تحضر «الماورائيات» بشكل ما، وبجرعة أقل أو اكثر في الثقافة، لكن نفوذ «المصطلح» أو الفكرة، أخذ منحى آخر مع بدايات العصر الحديث، والتطور العلمي الذي شهده العالم، ونمو الوعي، وظهور الطب الحديث واكتشاف قوانين الفيزياء والفلك والتبحر في علوم الأحياء والجيولوجيا، وغيرها. أضحى الأمر محصوراً فيما لا يمكن أن يلمس، أو يثبت، أو ما يقف العلم عند قدميه عاجزاً، فعالم الجن مثلاً مثبت عند المسلمين، على رغم اختلافهم على شكله ومدى تداخله مع عالم الإنس، ليبقى فقدان «المعلومات»، مغذياً للنظريات والافتراضات والأوهام في أحيان اخرى.