قال وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه، في مقابلة أجرتها معه «الحياة» أول من أمس في باريس، إن سياسة فرنسا غضّتْ لمدى طويل، الطَّرْفَ عن تصرفات متسلطة وطغيان من عدد من الأنظمة في الشرق الأوسط، وذلك بسبب حرصها على مبدأ الاستقرار، لكنها أعادت النظر في هذه السياسة بعد ما حصل في تونس ومصر، حيث تبين ان الاستقرار الحقيقي لا يتحقق بالقمع، بل من خلال الإصلاح، معتبراً ان هذا ينطبق على سورية. وقال إنه لا يأسف لانفتاح الرئيس نيكولا ساركوزي على دمشق، لكن الوضع تغيّر الآن، بسبب إطلاق النظام السوري مدافِعَه على مواطنيه، ما يجعل الوضع غير مؤات للحوار. ورأى أنه لا بد من انعكاس أوضاع سورية بشكل من الأشكال على لبنان، وتمنى على الحكومة اللبنانية المقبلة أن تحترم استقلال المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأن تزوِّدها بما يلزم لتتمكن من العمل. واعتبر ان وجود قوات حفظ السلام في جنوب لبنان عامل استقرار للمنطقة وللبنان. وكشف عن زيارة يقوم بها الأسبوع المقبل للشرق الأوسط، في محاولة للاستفادة من فرصة المصالحة الفلسطينية، من اجل إعادة إطلاق نهج المفاوضات والعمل على عقد مؤتمر مانحي السلطة الفلسطينية في باريس نهاية حزيران (يونيو)، ليكون أيضاً فرصة لإطلاق المسار التفاوضي على الأسس المعروفة، وهي حدود عام 1967، وضمان أمن إسرائيل، والقدس عاصمة للدولتين، متمنياً ان تكون هذه فرصة لتحريك الأمور قبل الوصول الى استحقاق الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال اجتماع الجمعية العمومية في نيويورك في أيلول (سبتمبر). ورأى ان العقيد معمر القذافي انتهى، لأنه لا يمكن أن يبقى على رأس بلده وقد تسبب بمقتل الألوف من مواطنيه. وأعرب عن تمسك فرنسا بالعقوبات على إيران وتعزيزها، وعن تمنِّيه بألا تكون الدعوة الإيرانية لمعاودة المحادثات في الملف النووي مع مجموعة الدول الست مناورةً جديدة. وقال إنه يسمع من أطراف أن إيران تعمل على الزعزعة في لبنان والبحرين. ووصف علاقات فرنسا بالسعودية بأنها جيدة على الصعد كافة، وقال إنه رغم الصعوبات التي تواجهها الحكومة العراقية، فإن فرنسا تدعمها سياسياً، لأنها منبثقة عن انتخابات شرعية. في ما يلي نص المقابلة: قال رامي مخلوف، ابن خالة الرئيس بشار الأسد، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، إنه ما لم يكن هناك استقرار في سورية فلن يكون في وسع أحد أن يضمن ما يمكن أن يحصل، وطلب من الغرب عدم الضغط على النظام، الذي قرر مواصلة القتال. ما رأيكم بهذه الأقوال، وهل تعتقدون أن النظام السوري مهدَّد، وهل لا يزال شرعياً؟ - الموقف الفرنسي حيال ما يجري في الدول العربية واضح ومتجانس تماماً، فنحن نعتبر أن تطلُّع الشعوب الى المزيد من الحرية والديموقراطية ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار، وأن استخدام الدبابات للرد على هذه التطلعات غير مقبول، حتى لو كان مبدأ الاستقرار ثمناً لذلك. وعلى مدى فترة طويلة، حرصنا على مبدأ الاستقرار هذا، ما أدى بنا الى غضِّ الطَّرْف عن تصرفات متسلطة، إن لم تكن طغياناً، من عدد من الأنظمة، وشهدنا ما آل اليه هذا في تونس ومصر. لذا نقول الشيء نفسه بالنسبة الى سورية. طبعاً نتمنى أن تكون سورية مستقرة، لكننا نعتبر أن الاستقرار الحقيقي ليس بالقمع، بل بالإصلاح. هل فقد النظام السوري شرعيته بنظركم؟ - قلنا مراراً إنه في ما يخص الأحداث في الشرق الأوسط، فإن النظام الذي يطلق المدافع ضد شعبه يفقد شرعيته. ولهذا السبب، نعتبر أنه ما لم يغير النظام موقفه، تنبغي معاقبته. لقد عملنا بهذا الاتجاه مع شركائنا في بروكسيل، حيث حُددت لائحة بأسماء مسؤولين سوريين فرضت عليهم عقوبات، ونعمل مع البريطانيين في الأممالمتحدة على قرار يُدين القمع في سورية، مثلما أَدَنّاه في بلدان أخرى. بذلت فرنسا جهداً كبيراً لفرض عقوبات على الرئيس الأسد، لكن برز تباينٌ في هذا الشأن، كيف تفسرون هذا التباين إلى جانب عدم توصل مجلس الأمن الى اتفاق، في حين أنه تم التوصل الى اتفاق على ليبيا؟ - أعتقد أنه لا بد من التمييز، فلائحة أسماء المسؤولين السوريين الذين فرضت عليهم عقوبات من بروكسيل اقتصرت حتى الآن على عدد معين من الأسماء، ولا تشمل الرئيس بشار، لأن الكثير من شركائنا يعتبرون أنه ينبغي إبداء قدر أكبر من الصبر حياله. وهذا ليس موقف فرنسا، لأننا نعتبر أنه مسؤول عن قمع أدى الى مئات عدة من القتلى. نحن نناقش ذلك، والنص الذي أُقر في بروكسيل يفسح المجال أمام توسيع اللائحة. أما في مجلس الأمن في نيويورك، فالأمر مختلف كلياً، إذ نصطدم بفيتو روسي، وأيضاً صيني، استناداً الى مبدأ نعرفه جيداً، فهذان البلدان لديهما حساسية حيال أي شكل من أشكال ما يسمونه بالتدخل، أي الاهتمام بالشؤون الداخلية لهذا البلد العضو أو ذاك في الأممالمتحدة، وتمكنّا من تجاوز هذا المبدأ في ما يخص ليبيا، لأن إمكان حصول مجزرة في بنغازي حمل الجميع على عدم المجازفة بمعارضة ما نقترحه. وإضافة الى تهديد الفيتو الروسي والصيني، لا نعرف ما إذا كانت هناك اليوم غالبية من تسعة أصوات ضرورية للمجلس لمعاقبة سورية. هذا هو الوضع، وعلى رغم الجهود التي نبذلها، لم يحصل تقدم حتى الآن. هل تتخوَّفون من انعكاسات للأحداث في سورية على الوضع في لبنان؟ - لا أسمح لنفسي بأي تكهن، لأننا لا نعمل من منطلق الخوف أو تهيّب المستقبل، بل نكتفي بالإثباتات. ببساطة، إن الثابت اليوم هو أنه اذا لم يغيِّر النظام السوري خطَّه السياسي، وإذا مضى في تحليلٍ مفاده أن الحركات التي يواجهها هي حركات تمرد تحظى الى حد ما بتشجيع من الخارج، وليست حركات تعبير شعبي، فإنه يخطئ ويذهب باتجاه الحائط. وهذا ما نقوله له، وتمنينا عليه إطلاق نهج إصلاحات حقيقية، لكنه لم يصغ إلينا. لذا، نحن ماضون على هذا الموقف، ولا أريد أن أذهب أبعد من ذلك في شأن ما يمكن لهذا النظام أن يفعله، أو ما لا يمكنه فعله. هل تأسفون لانفتاح الرئيس نيكولا ساركوزي على الرئيس الأسد؟ - إن الوضع الحالي لا يعني أنه لم يكن ينبغي له الإقدام على ما أقدم عليه. أعتقد أن الرئيس ساركوزي كان على حق، فما تغيَّر ليس موقف الرئيس ساركوزي، وإنما موقف النظام السوري، الذي بدأ يطلق مدافع الدبابات على مواطنيه، ما يجعل الوقت اليوم ليس وقت حوار، لكن لسنا السبب في ذلك. يقول الرئيس ساركوزي في مقابلته مع مجلة «ليكسبريس»، إن الوضع في سورية يختلف عما هو عليه في ليبيا، فما هو هذا الفارق الذي أشار إليه؟ - في ليبيا كانت هناك مدينة يسكنها مليون شخص تتجه نحوها الدبابات، فيما كان القذافي يعلن عن حمام دم، وعن انتقام من كل الذين تمردوا عليه، وهذه ظاهرة أولى. وأكرر أن المختلف أيضاً بالنسبة الى ليبيا هو الجو الدولي، إذ إننا حصلنا مثلاً على دعم لبنان، الذي ساعدنا على الحصول على التصويت على القرار 1973، ولم يكن هناك فيتو روسي او صيني، وحصلنا على تسعة أصوات، فكل هذه الشروط ليست متوافرة في ما يخص سورية. هل أنتم مع الأميركيين على الموجة نفسها بالنسبة الى الموضوع السوري؟ - الأميركيون في مجلس الأمن يعتبرون اليوم أنه ليست هناك إمكانية للتصويت على قرار في شأن سورية، وبالتالي فإنهم غير ناشطين من هذه الزاوية. كيف ترون التطورات في لبنان، وهل تتخوفون من نتائج الوضع السوري على لبنان؟ - نظراً للروابط القديمة والوثيقة القائمة بين سورية ولبنان، من الواضح أن ما يحصل في سورية لا بد من أن تكون له نتائج على لبنان. وموقفنا من لبنان قديم وثابت ومعروف، فنحن متمسكون جداً بهذا البلد بسبب روابط متعددة تاريخية وثقافية ولغوية وسياسية، ونتمنى استقراره، كما نتمنى أن يزود نفسه بأسرع وقت بحكومة واسعة التمثيل، وأن يكون قادراً طبعاً على ضمان سيادته ووحدة أراضيه. هل تعتزمون زيارة لبنان؟ - محتمل، لكنني لم أبرمج هذه الزيارة بعد، لكن هذا محتمل. بذل الرئيس ساركوزي جهوداً من أجل انتخاب الرئيس ميشال سليمان، فهل تعتبرون أن بوسعكم المساعدة في تشكيل الحكومة؟ - نساعد على تشكيل الحكومة بإبقائنا على الاتصال مع أصدقائنا اللبنانيين. وليس بإمكاني أن أقول متى سأتوجه الى هناك. إذا صدر القرار الظني في شأن اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري، ورفضت الحكومة اللبنانية، نتيجةَ ضغوط «حزب الله»، مذكرات الاعتقال، فكيف ستكون ردةُ فعلكم؟ - مجدداً، لا أريد الحديث عن المستقبل، وما يمكنني قوله هو أن فرنسا متمسكة جداً بأن تتمكن المحكمة الخاصة بلبنان من القيام بعملها باستقلال تام. ونتوقع من الحكومة اللبنانية المقبلة إذاً أن تحترم استقلال هذه المحكمة، وأن تزوِّدها الأدوات التي تمكنها من العمل. فهذا هو موقفنا، وما يمكن أن يحدث نتيجةَ ما سيصدر عن المحكمة سيُنظَر إليه في حينه، ونتمنى ببساطة أن تتبع هذه القرارات نتائج. التقيت رئيس الحكومة اللبناني السابق فؤاد السنيورة أول من أمس، ما هي الصورة التي عرضها عليكم عن التطورات في لبنان؟ - وجدته مطمئناً الى حد ما، وهو طبعاً مهتم جداً بما يحصل في المنطقة. وتطرقنا بشكل أساسي الى مسيرة السلام، التي تشكِّل عاملاً رئيساً على صعيد الاستقرار في المنطقة بأكملها. يتساءل بعض العسكريين الفرنسيين عن جدوى الإبقاء على قوة «يونيفيل» في لبنان، فما رأيكم بذلك، وهل ناقشتم هذا مع وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني، الذي يريد تغيير مهمة القوة الدولية؟ - نعم، يبدو لنا من الضروري اليوم التفكير جيداً بعمل قوة «يونيفيل»، فعملية حفظ السلام هذه أقرت عام 1978 وأعيد تحديد هذه المهمة عام 2006. ومن الضروري إعادة تحديد الأمور في شكل جيد، لجهة الدور المحدد لهذه القوة، وعلاقتها بالجيش اللبناني. لكننا نعتبر أن وجودها يبقى عنصر استقرار للمنطقة وللبنان. ماذا تعني إعادة تحديد المهمة؟ - سنرى ذلك في حينه، بحيث تحدَّد الأدوار بطريقة أفضل في الأسابيع المقبلة وبالتشاور مع شركائنا. إسرائيل/ فلسطين ستزورون قريباً المناطق الفلسطينية وإسرائيل، وفرنسا تريد عقد مؤتمر للمانحين في حزيران (يونيو) المقبل، على أن ينطوي على بُعد سياسي يقضي بإعادة إطلاق مسيرة السلام، فمن سيحضر هذا المؤتمر؟ وهل سيقبل الأميركيون بذلك؟ أم أنه سيكون مؤتمراً يضم الدول الأوروبية الثلاث، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا؟ - ننطلق من قناعة، فكما قلنا لمحمود عباس وبنيامين نتانياهو، من غير الممكن تحمُّل الجمود، وهذا ينطبق على الجميع، خصوصاً على إسرائيل. ونتمنى بذل كل ما أمكن لاستئناف نهج التفاوض مجدداً، ليس النهج الذي يؤدي الى إجراءات موقتة، وإنما نهج يصل الى قرارات بالعمق، على أساس المعايير المعرَّفة جيداً، أي العودة الى حدود عام 1967، مع إمكان تبادل متفَق عليه، والقدس عاصمة لدولتين، وأيضاً بالطبع ضمانات أمنية واندماج إقليمي لإسرائيل. هذا ما نتمناه، وما نقوله، ويبدو لنا أن نهج المصالحة الفلسطينية الحالي يشكل فرصة للذهاب في هذا الاتجاه. سبق أن قلت هذا، لكنه لم يكن موضِعَ تفهُّمٍ في إسرائيل. كما أن رئيس الجمهورية أثار هو أيضاً هذه المسألة مع نتانياهو أيضاً، وبدلاً من اعتبار اتفاق المصالحة الفلسطينية باطلاً ومرفوضاً، لنحاول أن نرى ما هي الإمكانات التي ينطوي عليها، وهل أن حماس تحديداً، على استعداد للتقدم بالاتجاه الذي نطالب به، أي الاعتراف بإسرائيل والعدول عن الإرهاب والاعتراف بالاتفاقات المعقودة. هذا السؤال يتوجب طرحه اليوم وتفحُّصُه، إذ ربما يشكل فرصة للتقدم. وهذا ما نحاول القيام به، بحيث لا نجد أنفسنا في أيلول (سبتمبر) المقبل في الأممالمتحدة أمام مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية من دون أن يكون حصل أيُّ شيء في هذا الوقت. نريد أن تحصل أمور في هذه الأثناء، لنعطي أنفسنا أقصى فرصة ممكنة لإعادة إطلاق الحوار. هذا ما سنسعى إليه، وإن لم نتوصل الى ذلك، فإننا سنستخلص النتائج في أيلول المقبل. تعترفون في أيلول بالدولة الفلسطينية في نيويورك، في حين أن بعض شركائكم الأوروبيين لا يريد ذلك، اذ عبَّرت ألمانيا عن هذا أمس. - كل واحد سيتحمل مسؤولياته في ذاك الوقت، وأتمنى أن نصل الى موقف أوروبي مشترك، وفرنسا ستتحمل مسؤولياتها، ثم إننا لسنا في أيلول، بل في أيار، وهذا ما نحاول القيام به. ونأمل في أن يتسنى توسيع مؤتمر المانحين، بحيث تكون له أجندة سياسية حقيقية من أجل إطلاق نهج التفاوض وفقاً للذهنية التي تحدثت عنها. هذا ما نحاول القيام به، فهل سنتمكن من ذلك؟ إننا على موعد نهاية حزيران. الملاحظ أن فرنسا تحاول منذ سنوات أن تلعب دوراً مهماً في إطار مسيرة السلام، لكن الأميركيين حالوا دائماً دون مثل هذا الدور، لماذا تعتقدون أنهم سيتيحون لكم اليوم إمكان عقد مثل هذا المؤتمر؟ - لأنهم لن يتمكنوا من ذلك بمفردهم. هذا واضح، وثَبُتَ أن السلام لن يتحقق من خلال نهج الولاياتالمتحدة وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، لأن هذا النهج فَشِلَ العامَ الماضي. وأعتقد أن أطرافاً أخرى، مثل فرنسا والاتحاد الأوروبي، بإمكانها أن تكون مفيدة لحلحلة الأمور. وإذا استمرت إسرائيل في رفض اي دور لكم؟ - لا، ليس هذا ما شعرت به من خلال اللقاء بين الرئيس ساركوزي ورئيس الحكومة الإسرائيلية السيد نتانياهو. هل شعرتم أنه مستعد للمشاركة في هذا المؤتمر؟ - إنه يعتبر أن فرنسا والاتحاد الأوروبي يمكن أن يلعبا دوراً، نعم. غير الدور الاقتصادي؟ - نعم. إنهم يريدون أن يكون لكم دور فعلاً؟ - بما في ذلك على المستوى السياسي، نعم. أنتم إذاً متفائلون بإمكان لعب دور؟ - من المُبالَغ به القول إننا متفائلون، وإنما نحن طوعيون. لماذا يمارس العالم أجمع ضغوطاً على الأنظمة العربية ولا يضغط على إسرائيل التي لم تعاقَب أبداً؟ - هذا غير صحيح على الإطلاق، غير صحيح على الإطلاق. هل لديكم مَثَل واحد عن عقوبات على إسرائيل؟ - لم نعاقب الدول العربية لأنها لم تأت الى طاولة المفاوضات، وإنما نعاقب دولاً عربية لأنها تطلق النار على مواطنيها، فالأمر مختلف تماماً، وينبغي عدم خلط كل شيء. لكنهم يطلقون النار على الفلسطينيين؟ - نطالب بتطبيق قرارات مجلس الأمن، وفرنسا واضحة جداً في هذا الشأن. ونضغط على إسرائيل لتعود الى طاولة المفاوضات وفقاً للمعايير التي أشرت إليها. فهذه ضغوط. هل تعتبرون أن هذا يكفي؟ - لقد قلت إنني لست متفائلاً، إنما طوعي، وليس بوسعي أن أقول إن هذا يكفي. يبدو أن الضربات العسكرية على ليبيا لا تنجح في حماية المواطنين؟ - هذا غير صحيح، وغير دقيق، فالضربات ساهمت الى حد كبير في حماية المواطنين، وفي تفادي حمام دم في بنغازي، وينبغي دائماً تذكر ذلك، فلو لم نفعل لوجدنا أنفسنا أمام وضع مشابه ربما لوضع سربرينيتسا وغيرها من هذا النوع من المجازر. هل لديكم معلومات عن انشقاقات جديدة من حول القذافي، وهل لديكم معلومات عما حَلَّ به، وما هي وجهة هذه العملية في ليبيا؟ - لدينا إستراتيجية واضحة جداً، نريد تكثيف الضغط العسكري لأنه بالنظر الى شخصية القذافي، فهو لن يفهم غير ذلك، أيْ استخدام القوة. هذا ما نسعى إليه، ومن هذا المنطلق، فإن الأيام الأخيرة شهدت تكثيفاً للعمليات، مع ضربات على أهداف عسكرية في طرابلس، وأيضاً مع دعم قُدِّم الى المجلس الوطني الانتقالي. وآخر الأنباء الواردة من مصراتة يشير الى أن قوات المجلس الوطني بدأت تسجل مكاسب، فهذا هو الشق الأول لإستراتيجيتنا، أي تعزيز الضغط العسكري والعمل انطلاقاً منه على إقناع الأطراف المعنية بضرورة جلوس المجلس الوطني، وهو المحاور المعترف به أكثر فأكثر، والذي لا يمكن تجاوزه، مع السلطات التقليدية حول الطاولة. هناك مثلاً مؤتمر رؤساء القبائل، الذي أعلن عن موقف، وهناك 25 مدينة أعلنت ولاءها للمجلس الوطني، وينبغي معرفة من هو على استعداد في طرابلس للمشاركة في نهج الحوار هذا من منطلق القناعة بضرورة تنحي القذافي، فهذا ما نسعى إليه، والأمران مترابطان. ضغوط عسكرية وانفتاح سياسي، ورغبة الرئيس الفرنسي هي أن يتسنى دفع ذلك خلال الأسابيع المقبلة، فليس المطلوب مواصلة العمليات في ليبيا على مدى أشهر، بل هي مسألة أسابيع. هل تعتبرون أن القذافي انتهى؟ - نعم، أنا على قناعة تامة بذلك، إذ لا يمكن البقاء في الحكم لمن أسقط ألوف الضحايا من شعبه. وأشير الى أن المحكمة الجنائية الدولية تنظر في قضيته، وهذا استنتاج فرنسا والجامعة العربية أيضاً، والكثير من الدول العربية تواكبنا في هذه العملية، إضافة الى الاتحاد الأوروبي، المُجمِع على ضرورة رؤية القذافي يبتعد عن الحكم. إنه أيضاً استنتاج الولاياتالمتحدة، فهناك إجماع دولي واسع جداً بهذا الشأن. الى متى يمكنكم المضي في توجيه الضربات؟ - لقد قلت إنها مسألة أسابيع وليس أشهر. ندد مجلس التعاون الخليجي أمس بتدخل إيران في المنطقة، ما رأيكم في هذا التدخل؟ - إن موقف فرنسا حيال ايران واضح جداً، وحازم جداً. إننا نعتبر أن التهديد بإمكان حصول إيران على سلاح نووي غير مقبول إطلاقاً، وينبغي إذاً أن يكون لدينا موقف قوي جداً وصلب في هذه النقطة، وهذا ما فعلناه مع دول مجموعة الست خلال الاجتماع الأخير الذي عقد في اسطنبول في كانون الثاني (يناير) الماضي. وعلمت للتو أن ايران توجهت مجدداً الى المجموعة بالقول إنها مستعدة لاستئناف المحادثات. ينبغي التحقق مرة أخرى أن ليس في الأمر مناورة تسويفية لتفادي الخوض في الموضوع الفعلي، وهو البرنامج النووي الإيراني واحترام قرارات مجلس الأمن ووكالة الطاقة الذرية الدولية. في غضون ذلك، نحن متمسكون جداً ليس فقط بالاحترام الفعلي للعقوبات، وإنما أيضاً بتعزيزها، لأنها بدأت تؤدي إلى نتائج. وعن دور إيران في الخليج؟ - إنه بالتأكيد دور داعم لبعض الحركات. مثلاً؟ - لا أرغب بقول المزيد. هل تعتقدون أنهم يعملون على الزعزعة في البحرين ولبنان؟ - هذا ما نسمعه. كيف هي حال علاقتكم بالمملكة العربية السعودية؟ - إنها جيدة على الصعد كافة، وهناك إمكانات تعاون إيجابية جداً مع السعودية. هل أن إبقاء سلام فياض في منصب رئيس الحكومة الجديدة يبدو لكم ضمانة للشفافية؟ - هناك إجماع واسع في الأسرة الدولية على القول إن فياض قام بعمل جيد، خصوصاً بالنسبة الى حسن استخدام المساعدة الدولية. ويبدو لي أن الحكومة الفلسطينية التي ستنبثق عن الاتفاق الذي أبرم بين الفلسطينيين، ينبغي عليها أن تواصل العمل بهذا الاتجاه. وعلى السلطات الفلسطينية الإقدام على خياراتها، لكن لدينا حكم مسبق مؤات تماماً لانتخاب فياض. في العراق اليوم حكومة مجمدة، والوضع فيه ليس جيداً، ما هو تحليلكم وما هي سياستكم حيال هذا البلد؟ - في العراق حكومة التزمت مساراً صعباً. صحيح أن الصعوبات لا تزال قائمة على الصعد كافة، بما في ذلك الوضع الأمني، لكن لا بد من مساعدة هذه الحكومة على التقدم، عبر دعمها سياسياً. والحكومة منبثقة من انتخابات قانونية وشرعية، ويتوجب عليها أن تتواجه مع المشكلة. تواجه ثورتي مصر وتونس أعمال عنف، هل تعتقدون أن لا عودة عن هاتين الثورتين، أم انكم تتخوفون من عودة الديكتاتورية العسكرية الى مصر، والبوليسية الى تونس؟ - إن نهج الانتقال الديموقراطي الذي يعقب الثورات، دائماً معقد. لقد عاشت فرنسا ذلك في زمن آخر، وهناك صعوبات. أعتقد أن المسار موجه جدياً، ففي تونس رأيت نظيري التونسي، الذي أكد لي أن انتخابات الجمعية التأسيسية ستجرى نهاية تموز المقبل كما هو مرتقب. وفي مصر، تم تحديد نهج انتخابي، وما يمكننا القيام به هو الحؤول دون أن تؤدي الصعوبات الاقتصادية الى انتكاسة على صعيد الانتقال الديموقراطي. هذا هو الهدف الذي حدده لنفسه رئيس الجمهورية بدعوته لهذه الدول، بحيث تحدد الدول الكبرى خطة عمل للمساعدة على إنجاح العملية الانتقالية.