ثلاثة أشباح تخيّم هذا المساء على هذه المدينة الساحلية الفرنسية الجنوبية، التي ستكون منذ اليوم ولأكثر من عشرة أيام مقبلة، عاصمة السينما العالمية. وذلك طبعاً، بفضل الدورة الجديدة من مهرجانها السينمائي السنوي الذي يعدّ عيداً سينمائياً حقيقياً. الشبح الأول هو، بالطبع، شبح القائد الإرهابي أسامة بن لادن الذي جعل قتله الحذر غالباً، بل الرعب أحياناً سيد الموقف. فأهل «كان»، مثل كثر في هذا العالم هذه الأيام، يخشون أن تنتقم «القاعدة» لمقتل زعيمها وأن تختار، مثلاً، «كان» مكاناً للانتقام. لذا ضوعف عدد رجال الأمن هنا وضوعفت الإجراءات الأمنية الى درجة لا تطاق، لكنها تبعث شيئاً من الطمأنينة. الشبح الثاني هو جنوب البحر الأبيض المتوسط وشرقه، حيث يمكن للمدينة الصاخبة أن تلقي نظرة لترصد تغيرات ما كان لأحد أن يتوقعها، مزهوة بأنها - في اللحظات الأخيرة - تمكنت من أن تضمّن برنامجها السينمائي، تحيات لما يمكن أن يسمى - حتى الآن على الأقل - «الربيع العربي»، ومن خلاله المرأة العربية، في تحيتين لمصر وتونس، كما في عروض لفيلمين عن هذه المرأة ومعاناتها في عالم الحروب والقمع والرجال (فيلم «وهلق لوين؟» للبنانية نادين لبكي، و «ينبوع النساء» للروماني/ الفرنسي ميهاليانو)... وكل ما يجمع بين هذين الشبحين أمل وقلق يتزاحمان، أمل بأن يتحقق الربيع العربي حقاً، على رغم كل الأخطار الماثلة، وأمل بأن يكون الإرهاب المرتدي زوراً ثياب الإسلام قد شارف على نهايته، على رغم تهديدات «القاعدة» التي تجعل كل حقيبة صغيرة في يد رجل أسمر ذي شاربين، كارثة محتملة! الشبح الثالث أقل وطأة... هو شبح الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران. فمصادفات التاريخ جعلت هذين اليومين بالذات، الذكرى الثلاثين (1981 – 2011) لوصوله الى السلطة بوصفه أول (وآخر!) رئيس يساري فرنسي في الجمهورية الخامسة. ولأن ميتران لم يكن «أياً كان»، ولأن هذا الرئيس المثقف كان محباً للسينما وعرفَت في زمنه ازدهاراً كبيراً، ولأن فرنسا كلها تحتفل بالذكرى اليوم، من الطبيعي أن تنعكس هذه الذكرى في افتتاح «كان» بل طوال أيامه، من دون أن ننسى أن اسم وزير الثقافة الفرنسي الحالي هو فريدريك ميتران، وليس الأمر مجرد تشابه أسماء، طالما أن فريدريك ابن أخ فرنسوا، وكان من المتحمسين له طوال حياته وبعد رحيله. وميتران (فرنسوا) هو اليوم موضوع عشرات الكتب التي تصدر في فرنسا، ومئات المقالات والدراسات والبرامج التلفزيونية، إضافة الى الإحصاءات التي تفيد بأن ما بين 80 و87 في المئة من الفرنسيين يرون أنه كان رئيساً عظيماً... ما من شأنه أن يثير غيرة الرئيس الحالي ساركوزي. غير أن هذه «الغيرة» ليست هي، على أي حال، سبب غياب السيدة الأولى الفرنسية الحالية كارلا بروني - ساركوزي، عن حفلة الافتتاح. هذا الغياب، سببه أن كارلا حامل في شهرها الخامس ولا تريد أن يلاحظ أحد هذا، ولو ضحّت بعدم الارتقاء على السجادة الحمراء، ليس بصفتها رئيسة فرنسا، بل موظفة في متحف، وهو الدور الصغير، على رغم الضجيج الكبير من حوله، الذي تلعبه في فيلم الافتتاح «منتصف الليل في باريس»، وهو الفيلم الذي تبدأ عروضه الفرنسية في اللحظة ذاتها من عرضه، هذا المساء، في افتتاح «كان». ورغم غياب كارلا، فإن زوجها الرئيس، لن يغيب، على الأقل من خلال مقارنة، لن تكون في مصلحته، بينه وبين فرنسوا ميتران، كرئيس للبلاد، وأكثر من هذا، من خلال كونه الشخصية الرئيسة في فيلم «الغزو» الذي سيعرض ضمن إطار المهرجان، وموضوعه - بالتحديد - غزو ساركوزي للسلطة قبل أعوام قليلة. كل هذا ستكون فرص كثيرة للحديث عنه. أما اليوم فالموضوع افتتاح «كان» وفيلم وودي آلن الذي لن يدخل المسابقة - على عادة أفلام هذا المخرج الكبير - بالتالي سيوفر على نفسه لعبة التباري مع أكثر من دزينة من أفلام تتسابق وبدأت الترجيحات ترد في شأنها، مع أن أحداً لم يرَ أياً منها حتى الآن. ولكن كيف لا يكون الأمر كذلك في دورة يخوضها بعض كبار الكبار من أهل سينما اليوم، من تيرنس مالك الى لارس فون تراير، الى الأخوين داردين الى التركي نوري بلغي جيلان، مروراً بأسماء كبيرة أخرى يترقب أهل «كان» أفلام أصحابها الجديدة على أحرّ من الجمر... ولكن، طبعاً بدءاً من الغد، إذ يبدأ «الجدّ» وتوضع جانباً هموم العالم والإرهاب والرئيس السابق والآمال والمخاوف للغوص في السينما... السينما التي لا يزال أهل «كان» يرونها أشرف الفنون وأجملها، على رغم موتها المعلن في شكل متواصل!