المعروف عن الفن الإستعراضي في الولاياتالمتحدة سواء في المسرح أم السينما، أنه لا يتردد في تقديم أعمال تتناول حياة الرؤساء الأميركيين من راحلين أو على قيد الحياة من دون أي خجل أو خوف من رقابة. ولكن الوضع في فرنسا يختلف أو أقله كان يختلف إلى ماض قريب بما أن التصوير الوحيد للزعماء كان يقدم في شكل فقرات فكاهية من قبل كوميديين محترفين يجيدون تقليد الصوت والحركات وأسلوب الكلام، في التلفزيون أو في مسارح متخصصة تحمل إسم «شانسونييه»، وبإستثناء فئة من المسلسلات التلفزيونية دارت من حول حياة الزعيم الفرنسي شارل ديغول خصوصاً الدور الذي لعبه في خلال الحرب العالمية الثانية. في الشهور القليلة الماضية بدأ الأمر يتطور مع تقديم مسرح أوديون الوطني الكبير، مسرحية تحمل عنوان «أداجيو: ميتران السر والموت» من إخراج أوليفييه بي المعروف بأعماله المسرحية الدرامية الرفيعة المستوى. ويتناول العمل الشهور الأخيرة من حياة الرئيس الراحل فرنسوا ميتران في فترة التسعينات من القرن العشرين، والأسرار التي شاركها في حينه مع الأشخاص المحيطين به والذين لا تزال غالبيتهم على قيد الحياة كجاك لانغ وبرنار كوشنير وميخائيل غورباتشيف وهلموت كول وغيرهم. ودعا بي العديد من هذه الشخصيات المقيمة في فرنسا الى حضور عرضه الافتتاحي، فحضر جزء كبير منهم ما دفع المشاهدين العاديين إلى قضاء الوقت في مراقبة التعابير على وجوه السياسيين الموجودين في القاعة حينما يظهر فوق الخشبة الممثل الذي يتقمص شخصيته ويحاور ميتران في شؤون الدولة خصوصاً أن النص لا يرحم الرئيس الراحل ولا محيطه السياسي. ولم يمنع الأمر جاك لانغ مثلاً وهو كان وزيراً للثقافة في عهد ميتران، بالتردد إلى كواليس المسرح عقب إنتهاء العرض وتهنئة المخرج وأيضاً الممثل الذي تقمص شخصيته. وفي سياق متصل يقدم مسرح «لا غراند كوميدي» عملاً تحت عنوان «الرئيس وزوجته وأنا»، وهنا تحل الفكاهة البحتة مكان الدراما ودسائس كواليس الرئاسة، إذ أن الحبكة تدور في قصر الرئاسة حينما يقرر الرئيس ساركوزي وهو يحمل إسماً مختلفاً في النص على رغم أن الممثل الذي يؤدي الدور يشبهه ويتقمص حركاته في أدق تفاصيلها كما أنه يقلد صوته بطريقة مدهشة، يقرر تعيين بديل منه ليقدر على التواجد في أماكن عدة ومناسبات رسمية في آن واحد عن طريق تقسيم المهام بينه وبين البديل. وتتعقد الأمور حينما تلتقي قرينة الرئيس، كارلا بروني التي تحمل بدورها إسماً مختلفاً ولكن تتصرف وتتكلم مثل السيدة الأولى تماماً وتغني وتصرح بأنها عملت عارضة أزياء في الماضي، البديل معتقدة أنه زوجها. ويؤدي الممثل ميشيل غيدوني دور الرئيس ساركوزي مثيراً ضحك الجمهور من بداية العرض الى نهايته كما نجحت النجمة التلفزيونية صونيا كينزيغر في تقمص شخصية كارلا بروني ساركوزي، معيدة إلى المسرح كل المقومات التي تصنع شهرة قرينة الرئيس كلما ظهرت في مكان عام أو في التلفزيون. وسيقدم مهرجان «كان» المقبل فيلماً فرنسياً من إخراج كزافييه دورانجيه عنوانه «الغزو» ويتناول سيرة الرئيس ساركوزي في شكل جدي درامي. وتكمل فرنسا بهذه الطريقة ما بدأه المخرج الجزائري رشيد يوشارب بفيلميه الفرنسيين «محليون» و»خارج عن القانون» أي التكلم علناً عن حياتها السياسية بما يتضمنه الأمر من فضائح وأخطاء وذلك بعد سنوات طويلة جداً من الكتمان.