... وهذه المرة ايضاً، كما يحدث في كل مرة، بدت السينما العربية وربما ايضاً الشؤون العربية، للوهلة الأولى، غائبة عن الدورة الجديدة لمهرجان «كان» السينمائي، التي ستفتتح نشاطاتها بعد ايام. فلا شيء في المسابقة الرسمية... ولولا فيلم نادين لبكي، اللبنانية، الجديد (وهلق لوين؟) في تظاهرة «نظرة ما»، وفيلم زميلتها المغربية ليلى كيلاني في تظاهرة «اسبوعي المخرجين» لكان الغياب العربي تاماً في التظاهرات الأساسية. والحقيقة أن الأمر بدا مدهشاً في شكل سلبي حين أعلنت قبل أسبوعين اسماء الأفلام المشاركة في هذه التظاهرات. إذ كيف يُعقل ان يكون حجم الغياب العربي ضخماً ولافتاً إلى هذه الدرجة في مهرجان أقل ما يمكن ان يقال عنه انه كان على مدى تاريخه كله المهرجان العالمي الأكثر مواكبة للسينمات العربية والأكثر عرضاً لأفضل أفلامها والأكثر تكريماً لأهلها ونجومها؟ وانطلاقاً من هذا السؤال الاستنكاري، الذي تلى الكشف عن أفلام المهرجان، حل نوع من الحزن والغضب لدى أهل السينما العربية. غير ان هذا كله لم يكن سوى الوهلة الأولى، وفقط على صعيد المسابقات والتظاهرات. إذ بعد هذا، وفي شكل تدريجي، راحت الأخبار تتوالى، إن لم يكن حول أفلام تضاف هنا أو هناك، أو حول تعديلات (مستحيلة، اصلاً) في البرامج، فعلى الأقل حول نشاطات موازية قد تشكل في مجموعها نشاطاً عربياً... استثنائياً، ولا سيما بالمقارنة مع ما هو حادث في النشاط الإنتاجي العربي، حيث نعرف ان العامين الأخيرين شهدا تراجعاً لافتاً في ظهور الأفلام العربية الجديدة باستثناء الحركة النشطة في المغرب، والتي يمكن ان نشاهد بعض انعكاسات «كانيّة» لها، خلال ايام المهرجان. حضور سياسي إذاً، مقابل غياب افلام متنوعة في تظاهرات متنوعة، لن يخلُ «كان» هذا العام، من حضور عربي... لكنه، في حقيقة أمره، سيكون حضوراً مرتبطاً بالظرف السياسي العربي الراهن، أكثر مما هو مرتبط بالظروف السينمائية العربية. ذلك ان مهرجاناً يميل أكثر وأكثر ناحية الرصد السياسي والاجتماعي، ما كان في إمكانه ابداً ان يسمح لنفسه، بأن يحدث كل ما يحدث في العديد من الدول العربية حالياً، من دون ان يلقي نظرة ما عليها. وانطلاقاً من هنا، ولأن مهرجاناً مثل «كان» اهتم أكثر ما اهتم دائماً بالسينما الجديدة (والشابة) إذ أتته في سنواته الأخيرة، وما قبلها من بلدين في شكل خاص، هما مصر وتونس، لن يكون غريباً ان يحتل اسما هذين البلدين، واجهة ما في سياق اهتماماته لهذا العام. ويزيد من تألق هذا الواقع ان ثورتي تونس ومصر، كانتا - حتى الآن على الأقل - الثورتين الأكثر نجاحاً، وربما الأقل دموية والأصدق وعداً. ولعل هذا ما جعل هاوياً سينمائياً وفناناً فرنسياً، كثيراً ما وجد نفسه مرتبطاً بتونس من ناحية وبمصر من ناحية ثانية هو وزير الثقافة الفرنسي الحالي فردريك ميتران، يجد في الأمر مناسبة للاحتفال بهذين البلدين وثورتيهما... ولا سيما بمصر التي ستحل «ضيفاً» على المهرجان طوال يوم 18 أيار (مايو) بحيث يكون هذا اليوم هو يوم مصر في «كان»، وتعرض فيه بالتحديد سلسلة افلام قصيرة تحت عنوان عام هو «18 يوماً» (على عدد الأيام القليلة التي استغرقت شباب ميدان التحرير لإسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك). والسلسلة مؤلفة من عشرة أفلام قصيرة عن الثورة، حققت ميدانياً، ومن المؤكد انها، في «كان» ستعرض مجموعة للمرة الأولى. وتحمل هذه الأفلام تواقيع يسري نصر الله ومريم أبو عوف وشريف عرفة ومروان حامد ومحمد علي وشريف البنداري وخالد مرعي وكاملة أبو ذكرى وأحمد علاء وأحمد عبدالله. غير ان هذا العرض الظرفي والذي سيشكل ذروة اليوم «المصري» في «كان»، لن يكون كل شيء، إذ خلال ذلك اليوم سيتم استذكار يوسف شاهين، أحد كبار اصدقاء مهرجان «كان» - وحائز جائزة الخمسينية من المهرجان في العام 1997، لمناسبة عرض فيلمه «المصير» -، وكذلك سيتم فيه - ضمن إطار «كلاسيكيات كان» - عرض فيلم «البوسطجي» لحسين كمال (وهو عمل رائع من المؤسف انه يبدو منسياً بعض الشيء في أيامنا هذه، على رغم انه مأخوذ عن قصة ليحيى حقي بالعنوان نفسه تعتبر من درر الأدب العربي)، وكذلك عرض شريط «صرخة نملة» لسامح عبدالعزيز. ومن المفترض، مبدئياً، ان تكون مناسبة الاحتفال بالثورة المصرية على هذه الشاكلة، مبرراً لوجود وفد سينمائي مصري كبير في المهرجان. في المقابل، قد يبدو الاحتفال بثورة تونس (ثورة الياسمين) أكثر تواضعاً، إذ انه سيقتصر على شريط «لا خوف بعد الآن» لمراد بن شيخ. غير ان عرض هذا الفيلم الوثائقي سيكون بدوره مناسبة ليس فقط لاستذكار الثورة الفرنسية، بل ايضاً لاستذكار علاقة السينما التونسية بتاريخ هذا المهرجان السينمائي العالمي، ودائماً عبر أفلام كان بعضها يُمنع في تونس أو يحارب فيها، فيتلقفه مهرجان «كان» ويعرضه. ولأن الشيء بالشيء يُذكر، من المؤكد ان الاحتفال بتونس وثورتها والحديث عن تونس في شكل عام خلال المهرجان، سيشكل مناسبة لإطلاق الإنتاج الجديد للمنتج التونسي طارق بن عمار «الذهب الأسود» وهو من إخراج الفرنسي جان - جاك آنو... وهذا الفيلم الذي يريده منتجه ومخرجه «لورانس العرب» جديداً، كانت مشاهده الضخمة تصوّر في تونس (والفيلم إنتاج فرنسي/ تونسي مشترك)، حين اندلعت ثورة الياسمين وحل نوع من فوضى وفقدان للتواصل، أرغم أصحاب الفيلم على الانتقال الى قطر حيث استكمل التصوير، على ان يُعرض الفيلم في الخريف المقبل. أما في «كان» فإنه سيكون، بالتأكيد، محط حديث وسجال لا ينتهيان على اعتبار أنه واحد من أضخم الإنتاجات الراهنة، خارج إطار السينما الأنغلو- ساكسونية. نساء الربيع العربي إذاً... لن يغيب العرب على الحجم الذي كان متوقعاً ومخشياً أول الأمر. والأفضل من هذا ان الحضور العربي الأساسي سيتمثل في الربيع العربي على وجه الخصوص. ولأننا، إذ نتحدث عن ربيع عربي، نجدنا أيضاً في خضم الحديث عن المرأة العربية (علماً أن هذه المرأة لعبت دوراً اساسياً، في ثورتي تونس ومصر، وعلى الأقل خلال مراحل براءتهما الأولى). ومن هنا، لا شك في ان الأمر كله سيكون على ارتباط لافت، على الأقل، بالأفلام الثلاثة التي تؤمن، في شكل أو في آخر، حضور السينما العربية (أو القضايا العربية) في التظاهرات الأكثر رسمياً، كما أشرنا: «وهلق لوين؟» لنادين لبكي و «على الخشبة» لليلى كيلاني... ثم بخاصة فيلم «ينبوع النساء» للروماني/ الفرنسي رادو ميهايليانو. ذلك أن الأفلام الثلاثة معاً، أفلام عن المرأة. وفي كل منها مجموعة من النساء تقود الغضب/ العيش/ الاحتجاج... وإذا كان سبق ان تحدثت الزميلة فيكي حبيب عن فيلم نادين لبكي (في الملحق قبل الماضي)، وإذا كان من المبكر لأوانه، منذ الآن الحديث المسهب عن اي من هذه الأفلام، في انتظار مشاهدتها خلال ايام المهرجان، فإن من اللافت للنظر ان تحمل جميعاً هذه السمات النسوية، في ترابط أكيد مع الواقع الاجتماعي والأحداث السياسية. ولعلنا لن نكون بعيدين من الصواب إن نحن توقعنا ان ينتج من عرض هذه الأفلام (وكذلك من واقع ان المسألة الأنثوية ستكون، على حد علمنا، مطروحة في عدد لا بأس به من افلام سلسلة «18 يوماً» المصرية) استشراء للحديث عن المرأة العربية وأحوالها خلال ندوات المهرجان وأحاديثه. وكذلك ربما لن نكون ايضاً، بعيدين من الصواب، إن نحن استعرنا من بعض المصادر، ومنذ الآن، ان فيلم الروماني رادو ميهاليانو، سيكون بالتحديد فيلماً عن المرأة العربية، وإن في شكل أكثر أسطورية، من فيلم نادين لبكي. وآية ذلك، أن هذا المخرج المعروف اختار لبطولة فيلمه (وهو إنتاج فرنسي/ مغربي/ روماني) ثلاثاً من أبرز الممثلات الشابات (من اصل مغاربي) من العاملات بنجاح في السينما الفرنسية والأوروبية عموماً: ليلى بختي، حفصية حرزي وصابرينا وزاني، اضافة الى الجزائرية بيونا والفلسطينية هيام عباس، تُرى، مع مجموعة مثل هذه، وكذلك مع فتيات «على الخشبة»، وخصوصاً مع مجموعة نساء فيلم نادين لبكي الناقمات على الحرب اللبنانية ورجالها، هل ستكون ثمة فرصة حقيقية للشكوى من «غياب» العرب عن «كان»؟