حُزْتُ جائزةَ نوبل في 2006، ووُصِفْتُ بوالد القروض الصغيرة. وقبل أشهر أُقلت من منصبي رئيساً لمصرف غرامين، بذريعة تجاوزي سن العمل. وفي 2007، سعيت إلى انشاء حزب سياسي. يقول من يؤيدني، إن قرار إقالتي واتهامي بالتهرب من الضرائب والتستر على دخلي الحقيقي، هما تصفية حساب سياسية، فرئيسة وزراء بنغلادش لم تنظر بعين الرضى الى أنشطتي السياسية. لا يملك بنك غرامين شركات في بنغلادش أو غيرها، ولم يَحُزْ أسهماً في شركات تحمل الاسم نفسه، مثل «غرامين دانون فودس» و «غرامين فيوليا واتر». ولا يرتبط بنك غرامين بشركة الاتصالات الاولى في بنغلادش «غرامين فون». ويؤخذ عليَّ إنشاء عدد من الشركات، وكسب بلايين الدولارات وإخفاؤها. ولكن من أين لي كسب مثل هذه الاموال ولست بمالك الشركات هذه، أو مساهماً فيها. ويشوب القروض الصغيرة - أو ال «ميكرو كريدي» - مشكلات، وتقترح مؤسسات كثيرة على الفلاحين وصغار العمال عدداً كبيراً من القروض في القرية الواحدة، فيرتفع خطر المغالاة في الاستدانة. لا ترمي هذه القروض الصغيرة الى جني الفوائد والأرباح، وقد حرّف بعض المؤسسات مفهومها، ففرَضَ معدلات فائدة مرتفعة. المؤسسات المدرجة في البورصة المكسيكية أو الهندية هي مؤسسات ربحية، غير مؤهَّلة مَنْحَ قروض صغيرة. والسبيل الى تذليل مشكلات القروض الصغيرة هو انشاء وحدة مراقبة وتشريع في كل بلد، على ما هي الحال في بنغلادش. ويُفترض تحديد سقف الفوائد على القروض الصغيرة. وعلى سبيل المثال، بلغت الفوائد على مثل هذه القروض عتبة ال24 في المئة. في دول العالم كلها، سُنَّت القوانين المصرفية لتدبير شؤون المصارف التجارية وضبط عملها، والمصارف هذه تتوجه الى الأثرياء، وليس الى الفقراء، ولم تُرْسَ أطر قانونية ومؤسساتية لرعاية عمل القروض الصغيرة. أقِرَّ قانون القروض هذه في باكستان قبل 6 أعوام، وفي أوغندا، وتبحث فيتنام في اقرار مثل هذه القوانين، أما الهند، فهي بؤرة مشكلات القروض الصغيرة، ويفترض أن تُسَنَّ فيها قوانين تنظم القروض هذه وفوائدها عاجلاً أو آجلاً، والناس يميلون الى إغفال أن ثمة مؤسسات نزيهة في الهند. أنا لست متشائماً، فالقروض الصغيرة لن تطوَى، وهي ليست في خطر، فالناس تحتاج إليها. وتبرز الحاجة الى تأطير عمل ال «سوشل بيزنس» (الاعمال الاجتماعية)، فال «بيزنس» لا يتعارض مع العمل الاجتماعي إذا لم يسعَ وراء جني الثروات. ونموذج الاستثمار العادي يفترض ريعاً قيمته 20 في المئة على الاقل. ولا يلتزم ال «سوشل بيزنس» النموذجَ هذا، فغايته هي تذليل مشكلة اجتماعية. ومجال عمل هذا الضرب من الاعمال متنوعة، منها: البيئة، والصحة، وتوفير فرص عمل للأضراء أو غيرهم. والاستثمار يوفر فرص عمل جديدة، ولكنه يولي الاولوية لجني الارباح. وفي عالم ال «سوشل بيزنس»، الانسان هو ركن الاستثمار، فتسعى شركات الى توفير فرص عمل لفاقدي البصر في مراكز الاتصالات، ولا يأبه الزبون من يجيبه على الهاتف. ويأخذ بعض المراقبين على الشركات المتعددة الجنسيات توظيف بعض اصحاب الاحتياجات الخاصة لتلميع صورتها، ولا أجد ضرراً في ذلك، فهي تساهم في تذليل مشكلة اجتماعية. وتواجه بنغلاديش مشكلة بارزة وخطيرة، هي شح المياه ومعضلة توفيرها للسكان، وثمة من يعترض على اعلان شركة مثل «فيوليا»، أنها ستتعاون معنا وتنشئ شركة تتصدى للمشكلة هذه تصدياً فعالاً. وبادرت شركة «دانون» الى بيع اللبن لقاء سعر بخس لمكافحة سوء التغذية. وبدأ عالم الاعمال يهتم بالعمل الاجتماعي، فالشركات تتطور وتعيد تقويم أنشطتها وطريقة عملها. ولن يحل ال «سوشل بيزنس» محل اقتصاد السوق، فهو أقل من نقطة في بحر السوق هذه. ولكنه قد يؤثر في محيط الاقتصاد العالمي. وحري بنا ألا نسعى وراء مراكمة الارباح، بل إلى السعادة. * حائز جائزة نوبل للسلام، عن «ليبيراسيون» الفرنسية، 5/5/2011، إعداد منال نحاس.